1

النظم الفهرسية الموسوعية الببلوجرافية للأحاديث النبوية وأهميتها

bad-8/77


الأحد، 17 أبريل 2022

تطريز رياض الصالحين {الجهاد والعلم و حمد الله تعالي وشكره و كتاب الصَّلاة عَلَى رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -}

     تطريز رياض الصالحين           

 

كتَاب الجِهَاد
234-[باب فضل الجهاد]
قَالَ الله تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ} [التوبة (36) ] .
الجهاد: هو مقاتلة الكفرة لإعزاز الدين.
وفي هذه الآية: تحضيضٌ للمسلمين على محاربة المشركين، وبشارة لهم بالنصر.
وقال تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة (216) ] .
قال ابن كثير: هذا إيجاب من الله تعالى للجهاد على المسلمين أن يكفوا شر الأعداء عن حوزة الإسلام.
وقال الزهري: الجهاد واجب على كل أحد غزا أو قعد، فالقاعد عليه إذا استُعين أن يعين، وإذا استُغيث أن يغيث، وإذا استنفر أن ينفر، وإن لم يحتج إليه، قعد.
وقال تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بأَمْوَالِكُمْ وَأنْفُسِكُمْ في سَبِيلِ اللهِ} [التوبة (41) ] .
(1/713)
في هذه الآية: الأمر بالنفي إلى جهاد الكفار، والأمر بإنفاق المال في ذلك.
وقال تَعَالَى: {إنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [التوبة (111) ] .
هذا أعظم عقد، وأربح تجارة، وأصدق وعد، وأعظم بشارة، وأوفى عهد.
قال قتادة: ثامنهم الله عزَّ وجلّ، فأغلى ثمنهم.
وقال عمر رضي الله عنه: إنَّ الله عز وجلّ بايعك وجعل الصفقتين لك.
وقال الحسن: اسعوا إلى بيعة ربيحة، بايع الله بها كل مؤمن.
وقال الله تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أجْراً عَظِيماً * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء (95، 96) ] .
في هذه الآية: فضل الجهاد والحث عليه، أي: ليس المؤمنون القاعدون عن الجهاد من غير عذر، والمؤمنون المجاهدون سواء، غير أولي الضرر، فإنهم يساوون المجاهدين؛ لأنَّ العذر أقعدهم.
{فَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً} ، قيل: أراد بالقاعدين ههنا: أولي الضرر؛ لأنَّ المجاهد باشر الجهاد مع النيّة، وأُلي الضرر كانت لهم نية، ولكنهم لم يباشروا.
{وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أجْراً عَظِيماً} ، يعني: على القاعدين من غير عذر {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} .
وقال تَعَالَى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ
(1/714)
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤمِنينَ} [الصف (10: 13) ] .
أي: بشَّر يَا محمد المجاهدين بالجنة في الآخرة، والنصر في الدنيا. والنجاة من عذاب الله.
والآيات في الباب كثيرةٌ مشهورةٌ.
أي: الآيات في وجوب الجهاد وفضله كثيرة في القرآن واضحة.
وأما الأحاديث في فضل الجهاد فأكثر من أنْ تحصر، فمن ذلك:
[1285] عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ الأَعْمَال أفْضَلُ؟ قَالَ: «إيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ» . قيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الجهادُ في سَبيلِ اللهِ» . قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
فيه: أن الجهاد أفضل من نافلة الحج.
[1286] وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله، أيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا» . قُلْتُ: ثُمَّ أيُّ؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ» . قلتُ: ثُمَّ أيُّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
قال الطبري: خص عليه الصلاة والسلام هذه الثلاثة بالذكر؛ لأنها عنوان على ما سواها من الطاعات.
(1/715)
[1287] وعن أَبي ذرّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رسول الله، أيُّ العَمَلِ أفْضلُ؟ قَالَ: «الإيمَانُ بِاللهِ، وَالجِهَادُ في سَبِيلهِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
فيه: فضل الجهاد؛ لأنه قرنه بالإِيمان بالله.
[1288] وعن أنس - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَغَدْوَةٌ في سَبيلِ اللهِ، أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
الغُدوة: سير أول النهار. والروحة: سير آخره.
[1289] وعن أَبي سعيدٍ الخدريِّ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أيُّ النَّاسِ أفْضَلُ؟ قَالَ: «مُؤْمنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ في سَبيلِ اللهِ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ في شِعبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللهَ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
فيه: فضل المؤمن المجاهد، وفضل العزلة إذا خاف الفتنة.
[1290] وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ في سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ الغَدْوَةُ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
في هذا الحدبث: فضل الرباط، وهو ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين.
(1/716)
[1291] وعن سَلمَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإنْ مَاتَ فيه أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الفَتَّانَ» . رواه مسلم.
قوله: «وأُجري عليه رزقه» أي: برزق من الجنة كما يرزق الشهداء.
[1292] وعن فَضَالَةَ بن عُبَيْد - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلا المُرَابِطَ فِي سَبيلِ اللهِ، فَإنَّهُ يُنْمى لَهُ عَمَلهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيُؤَمَّنُ مِنْ فِتْنَةَ القَبْرِ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
فيه: فضيلة الرباط، وأن المرابط لا ينقطع عمله بالموت.
[1293] وعن عثمان - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «رِبَاطُ يَوْمٍ في سَبيلِ اللهِ، خَيْرٌ مِنْ ألْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ المَنَازِلِ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
قال ابن بزيزة: لا تنافي بينه وبين حديث: «خير من صيام شهر» .
قال البيهقي: القصد من هذا ونحوه الإخبار بتضعيف أجر المرابط على غيره، ويختلف ذلك بحسب اختلاف حال الناس نيةً وإخلاصًا، وباختلاف الأوقات.
(1/717)
[1294] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَضَمَّنَ الله لِمَنْ خَرَجَ في سَبيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إِلا جِهَادٌ في سَبيلِي، وَإيمَانٌ بِي، وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَيَّ أنْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ أُرْجِعَهُ إِلَى مَنْزِلهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ بِمَا نَالَ مِنْ أجْرٍ، أَوْ غَنيمَةٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ في سَبيلِ اللهِ، إِلا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ كُلِم؛ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، وَرِيحُهُ ريحُ مِسْكٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلا أنْ أَشُقَّ عَلَى المُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو في سَبيلِ اللهِ أبداً، وَلكِنْ لا أجِدُ سَعَةً فأحْمِلُهُمْ وَلا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي.
وَالَّذِي نَفْس مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أنْ أغْزُوَ في سَبيلِ اللهِ، فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أغْزُوَ فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أغْزُوَ فَأُقْتَلَ» . رواه مسلم، وروى البخاري بعضه.
«الكَلْمُ» : الجَرْحُ.
قال الحافظ: قوله: «تضمن الله وتكفل الله، وانتدب الله» بمعنى واحد، ومحصله تحقيق الوعد المذكور في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} ، وذلك التحقيق على وجه الفضل منه سبحانه وتعالى.
[1295] وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَم في سَبيِلِ الله إِلا جَاءَ يَومَ القِيَامةِ، وَكَلْمُهُ يدْمَى: اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ ريحُ مِسكٍ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
(1/718)
قال العلماء: الحكمة في بعثه كذلك، أن يكون معه شاهد بفضيلته ببذله نفسه في طاعة الله تعالى.
[1296] وعن معاذٍ - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ في سَبِيلِ الله من رَجُلٍ مُسْلِمٍ فُوَاقَ نَاقَةٍ، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَمَنْ جُرِحَ جُرْحاً في سَبِيلِ اللهِ أَوْ نُكِبَ نَكْبَةً فَإنَّهَا تَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَغزَرِ مَا كَانَتْ: لَونُها الزَّعْفَرَانُ، وَريحُها كَالمِسْكِ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) .
الفُوَاقُ: ما بين الحلبتين، وهو كناية عن قليل الجهاد.
وفيه: بشارة لمن جاهد في سبيل الله، طلبًا لمرضاة الله بالموت على الإسلام.
[1297] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أصْحَابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشِعبٍ فِيهِ عُيَيْنَةٌ مِنْ مَاءٍ عَذْبَة، فَأعْجَبَتْهُ، فَقَالَ: لَو اعْتَزَلْتُ النَّاسَ فَأقَمْتُ في هَذَا الشِّعْبِ، وَلَنْ أفْعَلَ حَتَّى أسْتَأْذِنَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكَرَ ذَلِكَ لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «لا تَفعلْ؛ فَإنَّ مُقامَ أَحَدِكُمْ في سَبيلِ اللهِ أفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهِ في بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَاماً، أَلا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ، وَيُدْخِلَكُمُ الجَنَّةَ؟ أُغْزُوا في سَبيلِ الله، من قَاتَلَ في سَبِيلِ اللهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
وَ «الفُوَاقُ» : مَا بَيْنَ الحَلْبَتَيْنِ.
(1/719)
في هذا الحديث: الحض على الجهاد في سبيل الله، وأنه أفضل من نوافل العبادة.
[1298] وعنه قَالَ: قيل: يَا رسولَ اللهِ، مَا يَعْدلُ الجهادَ في سَبِيلِ ... اللهِ؟ قَالَ: «لا تَسْتَطِيعُونَهُ» فَأعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لا تَسْتَطِيعُونَهُ» ! ثُمَّ قَالَ: «مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبيلِ اللهِ كَمَثلِ الصَّائِمِ القَائِمِ القَانتِ بآياتِ الله لا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ، وَلا صَلاَةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ المُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللهِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ، وهذا لفظ مسلمٍ.
وفي رواية البخاري: أنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رسول الله، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الجِهَادَ؟ قَالَ: «لا أجِدُهُ» ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ المُجَاهِدُ أنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتقومَ وَلا تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلا تُفْطِرَ» ؟ فَقَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟! .
فيه: أنه لا يعدل الجهاد شيء من نوافل العبادات.
[1299] وعنه: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ بعِنَانَ فَرَسِهِ في سَبِيلِ اللهِ، يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي القَتْلَ وَالمَوْتَ مَظَانَّهُ أَوْ رَجُلٌ في غُنَيْمَةٍ في رَأسِ شَعَفَةٍ مِنْ هَذَه الشَّعَفِ، أَوْ بَطْنِ وَادٍ مِن هَذِهِ الأَوْدِيَةِ، يُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَيُؤتي الزَّكَاةَ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأتِيَهُ اليَقِينُ، لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلا في خَيْرٍ» . رواه مسلم.
(1/720)
في هذا الحديث: استحباب الاستعداد للجهاد في سبيل الله، واستحباب العزلة.
[1300] وعنه: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ في الجنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ في سَبِيلِ اللهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ» . رواه البخاري.
فيه: عظيم فضل المجاهد وعظم عناية الله به.
[1301] وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبّاً، وَبِالإسْلاَمِ ديناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ» ، فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعيدٍ، فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رسولَ اللهِ، فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأُخْرَى يَرْفَعُ اللهُ بِهَا العَبْدَ مِئَةَ دَرَجَةٍ في الجَنَّةِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَينِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ» . قَالَ: وَمَا هيَ يَا رسول الله؟ قَالَ: «الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ، الجهَادُ في سَبيلِ اللهِ» . رواه مسلم.
قال القرطبي: الدرجة: المنزلة الرفيعة، ويراد بها غرف الجنة ومراتبها التي أعلاها الفردوس.
[1302] وعن أَبي بكر بن أَبي موسى الأشعريِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبي - رضي الله عنه - وَهُوَ بَحَضْرَةِ العَدُوِّ، يقول: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أبْوَابَ الجَنَّةِ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ» . فَقَامَ رَجُلٌ رَثُّ الهَيْئَةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا
(1/721)
مُوسَى أأنْتَ سَمِعْتَ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَرَجَعَ إِلَى أصْحَابِهِ، فَقَالَ: أقْرَأُ عَلَيْكُم السَّلاَمَ، ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَألْقَاهُ، ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ إِلَى العَدُوِّ فَضَربَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ. رواه مسلم.
قوله: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف» . قال القرطبي: هو من الكلام النفيس الجامع الموجز، المشتمل على ضروب من البلاغة مع الوجازة وعذوبة اللفظ، فإنه أفاد الحض على الجهاد، والإخبار بالثواب عليه، والحض على مقاربة العدو، واستعمال السيوف، والاجتماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المتقاتلين.
[1303] وعن أَبي عبسٍ عبد الرحمن بن جَبْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ في سَبيلِ اللهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ» . رواه البخاري.
فيه: بشارة للمجاهد بالنجاة من النار. وعند أحمد وغيره من حديث معاذ «ولا اغبرت قدم في عمل يبتغي به درجات الآخرة بعد الصلاة المفروضة، كجهاد في سبيل الله» .
[1304] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيةِ الله حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ، وَلا يَجْتَمِعُ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ في سَبيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
فيه: بشارة بالنجاة من النار لمن خشي الله تعالى، وللمجاهدين في سبيل الله.
(1/722)
[1305] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «عَيْنَانِ لا تَمسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ في سَبيلِ اللهِ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
الخشية: الخوف الناشئ عن تعظيم ومعرفة، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} .
[1306] وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازياً في سَبيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازياً في أهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
فيه: أن من أعان مؤمنًا على عمل فله مثل أجر العامل.
[1307] وعن أَبي أُمَامَة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفْضَلُ الصَّدَقَاتِ ظِلُّ فُسْطَاطٍ في سَبِيلِ اللهِ وَمَنيحَةُ خَادِمٍ في سَبِيلِ اللهِ، أَوْ طَرُوقَةُ فَحلٍ في سَبِيلِ اللهِ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
فيه: أن أفضل الصدقات والعواري ما كان في الجهاد.
[1308] وعن أنس - رضي الله عنه -: أن فَتَىً مِنْ أسْلَمَ، قَالَ: يَا رسولَ اللهِ، إنِّي أُرِيدُ الغَزْوَ وَلَيْسَ مَعِيَ مَا أَتَجهَّزُ بِهِ، قَالَ: «ائْتِ فُلاناً فَإنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ» فَأتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، ويقول: أعْطِني الَّذِي تَجَهَّزْتَ بِهِ. قَالَ: يَا فُلاَنَةُ، أعْطِيهِ
(1/723)
الَّذِي كُنْتُ تَجَهَّزْتُ بِهِ، وَلا تَحْبِسِي عَنْهُ شَيْئاً، فَوَاللهِ لا تَحْبِسِي مِنْهُ شَيْئاً فَيُبَارَكَ لَكِ فِيهِ. رواه مسلم.
فيه: أن من أخرج شيئًا في وجه من وجوه الخير، ثم عرض له ما يمنعه أنه يستحب له صرفه في مثله من أبواب الخير.
[1309] وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إِلَى بَنِي لَحْيَانَ، فَقَالَ: «لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أحَدُهُمَا، وَالأجْرُ بَيْنَهُمَا» . رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: «لِيَخْرُجَ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ» ثُمَّ قَالَ للقاعد: «أيُّكُمْ خَلَفَ الخَارِجَ في أهْلِهِ وَمَالِهِ بِخيْرٍ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أجْرِ الخَارِجِ» .
فيه: أن من خَلَّف الغازي في أهله وماله بخير، فله نصف أجر الغازي من غير أن ينقص من أجره شيء.
[1310] وعن البَراءِ - رضي الله عنه - قال: أتَى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بالحَدِيدِ، فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: «أسْلِمْ، ثُمَّ قَاتِلْ» . فَأسْلَمَ، ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ. فَقَالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيراً» . متفقٌ عَلَيْهِِ. وهذا لفظ البخاري.
فيه: أن الأعمال بالخواتيم.
(1/724)
[1311] وعن أنس - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ؛ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ» .
وفي رواية: «لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
في هذا الحديث: فضل الشهادة وحقارة الدنيا، وعبر بالتمني؛ لأن الرجوع إلى الدنيا محال.
[1312] وعن عبدِ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَغْفِرُ اللهُ لِلْشَّهِيدِ كُلَّ شَيْءٍ إِلا الدَّيْنَ» . رواه مسلم.
وفي روايةٍ له: «القَتْلُ في سبيلِ اللهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شيءٍ إلا الدَّيْن» .
في حديث ابن مسعود عند أبي نعيم: «القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها، إلا الأمانة، والأمانة في الصلاة، والأمانة في الصوم، والأمانة في الحديث وأشد ذلك الودائع» .
[1313] وعن أَبي قتادة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فِيهِم فَذَكَرَ أنَّ الجِهَادَ في سَبيلِ اللهِ، وَالإيمَانَ بِاللهِ، أفْضَلُ الأعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، أرأيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ، أتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لهُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ في
(1/725)
سَبيلِ الله وَأنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ» ، ثُمَّ قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: أرَأيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ، أتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَعَمْ، وَأنْتَ صَابرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيرُ مُدْبِرٍ، إِلا الدَّيْنَ فَإنَّ جِبْريلَ - عليه السلام - قَالَ لِي ذَلِكَ» . رواه مسلم.
فيه: فضيلة عظيمة للمجاهد، وهي تكفير خطاياه كلها، إلا حقوق الآدميين.
[1314] وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَجُلٌ: أيْنَ أنَا يَا رسول الله إنْ قُتِلْتُ؟ قَالَ: «في الجَنَّةِ» . فَألْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. رواه مسلم.
كان ذلك يوم أُحُد.
قال الشارح: أجابه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالبتِّ؛ لأنه علم منه الإِخلاص في الجهاد، ومن قتل كذلك دخل الجنة.
[1315] وعن أنس - رضي الله عنه - قال: انْطَلَقَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا المُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ المُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يَقْدمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أكُونَ أنَا دُونَهُ» . فَدَنَا المُشْرِكُونَ، فَقَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماوَاتُ وَالأرْضُ» قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بن الحُمَامِ الأنْصَارِيُّ - رضي الله عنه -: يَا رسولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّماوَاتُ وَالأرْضُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: بَخٍ بَخٍ؟ فَقَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَولِكَ بَخٍ بَخٍ؟» قَالَ: لا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إِلا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أهْلِهَا، قَالَ: «فَإنَّكَ مِنْ أهْلِهَا» . فَأخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا
(1/726)
حَييتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هذِهِ إنّهَا لَحَياةٌ طَوِيلَةٌ، فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. رواه مسلم.
«القَرَن» بفتح القاف والراء: هُوَ جُعْبَةُ النشَّابِ.
قوله: «لا يقدمنَّ أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه» المراد: النهي عن الاستبداد في شيء دون أمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وفي الحديث: المسارعة إلى الشهادة.
[1316] وعنه قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالاً يُعَلِّمُونَا القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلاً مِنَ الأنْصَارِ يُقَالُ لَهُمْ: القُرّاءُ، فِيهِم خَالِي حَرَامٌ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ، وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالمَاءِ، فَيَضَعُونَهُ في المَسْجِدِ، وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لأَهْلِ الصُّفَّةِ، وَلِلفُقَرَاءِ، فَبَعَثَهُمُ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أنْ يَبْلغُوا المَكَانَ، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا، وَأتَى رَجُلٌ حَراماً خَالَ أنَسٍ مِنْ خَلْفِهِ، فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أنْفَذَه، فَقَالَ حَرَامٌ: فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، فَقَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ إخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا وَإنَّهُمْ قَالُوا: اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا» . متفقٌ عَلَيْهِِ، وهذا لفظ مسلم.
قوله: «فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان» ، أي: مكان أبي براء ابن ملاعب الأسنَّة، عرض لهم عدو الله عامر بن الطفيل، واستصرخ عليهم بني عامر فأبَوا أن يجيبوه، وقالوا: لا نخفر أبا براء وقد عقد لهم جوازًا، فاستصرخ عليهم رعلاً، وذكوان، وعصية، فأجابوه فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم
(1/727)
في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم فقاتلوهم فقتلوهم في معرك الحرب.
[1317] وعنه قَالَ: غَابَ عَمِّي أنسُ بنُ النَّضْرِ - رضي الله عنه - عن قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، غِبْتُ عَنْ أوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللهُ أشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللهُ مَا أصْنَعُ. فَلَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ وانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي اعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءُ - يعني: أصْحَابَهُ - وَأبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ - يَعنِي: المُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا سَعَدَ بنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ، إنِّي أجِدُ ريحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ! قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رسولَ اللهِ مَا صَنَعَ! قَالَ أنسٌ: فَوَجدْنَا بِهِ بِضعاً وَثَمَانِينَ ضَربَةً بِالسَّيْفِ، أَوْ طَعْنَةً برُمح أَوْ رَمْيةً بِسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَمَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أحَدٌ إِلا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أنسٌ: كُنَّا نَرَى - أَوْ نَظُنُّ - أنَّ هذِهِ الآية نَزَلتْ فِيهِ وَفي أشْبَاهِهِ: {مِنَ المُؤمِنينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} إِلَى آخرها [الأحزاب (23) ] . متفقٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ سبق في باب المجاهدة.
قوله: «إني أجد ريحها من دون أُحُد» يحتمل أنه نشق ريح الجنة حقيقة، ويحتمل أنه استحضر الجنة فصور أنها في ذلك الموضع. والمعنى: أني لأعلم أن الجنة تكتب بالشهادة فأنا مشتاق لها.
[1318] وعن سَمُرَة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَأيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتيَانِي، فَصَعِدَا بِي الشَّجرةَ فَأدْخَلاَنِي دَاراً هِيَ أحْسَنُ وَأَفضَلُ، لَمْ أَرَ قَطُّ أحْسَنَ مِنْهَا، قالا: أمَّا هذِهِ الدَّارُ فَدَارُ
(1/728)
الشُّهَدَاءِ» . رواه البخاري، وَهُوَ بعض من حديث طويل فِيهِ أنواع العلم سيأتي في باب تحريم الكذب إنْ شاء الله تَعَالَى.
فيه: أن منزل الشهداء في الجنة أحسن المنازل.
[1319] وعن أنس - رضي الله عنه - أنَّ أمَّ الرُّبيعِ بنتَ البَرَاءِ وهي أُمُّ حَارِثة بن سُرَاقَةَ، أتَتِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رسولَ اللهِ، ألا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ - وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ - فَإنْ كَانَ في الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ في البُكَاءِ، فَقَالَ: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ إنَّهَا جِنَانٌ في الجَنَّةِ، وَإنَّ ابْنَكِ أصابَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى» . رواه البخاري.
كان قولها قبل تحريم النوح؛ لأن تحريمه كان بعد غزوة أُحد.
[1320] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: جِيءَ بِأَبِي إِلَى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ فَذَهَبْتُ أكْشِفُ عَنْ وَجْهِهِ فَنَهَانِي قَوْمِي، فَقَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا زَالتِ المَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
تظليل الملائكة تشريف له. وفي رواية للبخاري: «ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه» .
[1321] وعن سهل بن حنيف - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ سَألَ اللهَ تَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» . رواه مسلم.
[1322] وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقاً أُعْطِيَهَا ولو لَمْ تُصِبْهُ» . رواه مسلم.
(1/729)
في هذين الحديثين: أن من نوى شيئًا من أعمال البر صادقًا من قلبه، أثيب عليه وإن لم يتفق له ذلك.
[1323] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ القَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ القَرْصَةِ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
قوله: «من مسِّ القَرَصة» ، أي: قرصة نحو النملة من كل مؤلم ألمًا خفيفًا، سريع الانقضاء، لا يعقب علة ولا سقمًا.
قال العاقولي: القرصُ: الأخذ بأطراف الأصابع. وأدخل عليها أداة الحصر. دفعًا لما يتوهم أنَّ ألمه أعظم من ألمها.
[1324] وعن عبد الله بن أَبي أوْفَى رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بَعْضِ أيَّامِهِ الَّتي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ في النَّاسِ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ العَافِيَةَ، فَإذَا لَقِيتُموهُمْ فَاصْبِروا؛ وَاعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ» . ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأحْزَابِ، أهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
قوله: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية» . قال ابن بطال: حكمة النهي أنه لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن.
قال الحافظ: وفي الحديث: استحباب الدعاء عند اللقاء، ووصية المقاتلين بما فيه صلاح أمرهم، ومراعاة نشاط النفوس لفعل الطاعة، والحث على سلوك الأدب.
(1/730)
[1325] وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثِنْتَانِ لا تُرَدَّانِ، أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ البَأسِ حِيْنَ يُلْحِمُ بَعْضُهُم بَعضَاً» . رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
قوله: «حين يلحم بعضهم بعضًا» ، أي: يتقاربون. وروي بالجيم، أي كأن كلاً يلجم صاحبه بالسلاح.
[1326] وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا غَزَا، قَالَ: «اللَّهُمَّ أنْتَ عَضْديِ وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
في هذا الحديث: الخروج من حول العبد وقوته، والاعتماد على الله سبحانه وتعالى.
[1327] وعن أَبي موسى - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا خَافَ قَوماً، قَالَ: «اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهمْ» . رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
فيه: التحصن بالله تعالى، والالتجاء إليه فيما ينزل بالإنسان.
[1328] وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ... «الخَيْلُ مَعقُودٌ في نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
سميت خيلاً لا ختيالها، وهو إعجابها بنفسها مرحًا.
[1329] وعن عروة البارِقِيِّ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الخَيْلُ مَعقُودٌ في نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ: الأجْرُ، وَالمَغْنَمُ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
(1/731)
وعند الطبراني من حديث جابر: «الخيل معقود في نواصيها الخير واليمن إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، قلدوها، ولا تقلدوها الأوتار» ، زاد أحمد: «فامسحوا بنواصيها وادعوا لها بالبركة» .
وعند البرقاني: «والإبل عزٌ لأهلها والغنم بركة» .
قال عياض: في هذا الحديث مع وجيز لفظه، من البلاغة والعذوبة ما لا مزيد عليه في الحسن، مع الجناس السهل الذي بين الخيل والخير.
[1330] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ احْتَبَسَ فَرَساً فِي سَبِيلِ اللهِ، إيمَانَاً بِاللهِ، وَتَصْدِيقَاً بِوَعْدِهِ، فَإنَّ شِبَعَهُ، وَرَيَّهُ ورَوْثَهُ، وَبَوْلَهُ في مِيزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» . رواه البخاري.
في هذا الحديث: فضل النفقة على الخيل المحتبسة في سبيل الله.
وفيه: أن النية يترتب عليها الأجر.
[1331] وعن أَبي مسعود - رضي الله عنه - قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَاقةٍ مَخْطُومَةٍ فَقَالَ: هذِهِ في سَبيلِ اللهِ. فَقَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ سَبْعُ مئَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ» . رواه مسلم.
هذا مأخوذ من قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ} [البقرة 261] .
(1/732)
[1332] وعن أَبي حمادٍ - ويقال: أَبُو سعاد، ويقال: أَبُو أسدٍ، ويقال: أَبُو عامِر، ويقال: أَبُو عمرو، ويقال: أَبُو الأسود، ويقال: أَبُو عبسٍ - عُقبة بن عامِر الجُهَنيِّ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، يقول: « {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال 60] ، أَلا إنَّ القُوَّةَ الرَّميُ، ألا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ، ألا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ» . رواه مسلم.
قوله: «ألا إن القوة الرمى» : أي: هو أعظم أنواعها نكاية في العدو، وأنفعها في الحرب.
[1333] وعنه قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُونَ، وَيَكْفِيكُمُ اللهُ، فَلا يَعْجِز أَحَدُكُمْ أنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ» . رواه مسلم.
فيه: الندب إلى الرمي والتمرن عليه.
[1334] وعنه: أنَّه قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عُلِّمَ الرَّمْيَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا، أَوْ فَقَدْ عَصَى» . رواه مسلم.
هذا تشديد عظيم في نسيان الرمي بعد علمه. وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا: «من علم الرمي ونسيه فهي نعمة جحدها» .
(1/733)
[1335] وعنه - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إنَّ اللهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الوَاحِدِ ثَلاَثَةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ في صَنْعَتِهِ الخَيْرَ، وَالرَّامِي بِهِ، ومُنْبِلَهُ. وَارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأنْ تَرْمُوا أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ تَرْكَبُوا. وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عُلِّمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ فَإنَّهَا نِعْمَةٌ تَرَكَهَا» أَوْ قَالَ: «كَفَرَهَا» . رواه أَبُو داود.
في هذا الحديث: فضيلة الرمي، وأنه من اللهو المستحب. وآخر الحديث: «ليس من اللهو ثلاثة: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله» . أي: ليس ذلك من اللهو المكروه.
[1336] وعن سَلَمة بن الأكَوعِ - رضي الله عنه - قال: مَرَّ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَفَرٍ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ: «ارْمُوا بَنِي إسماعِيلَ فَإنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِياً» رواه البخاري.
فيه: الحث على الرمي، والاقتداء بالآباء في الأفعال المحمودة.
[1337] وعن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «مَنْ رَمَى بِسَهمٍ في سَبيلِ الله فَهُوَ لَهُ عِدْلُ مُحَرَّرَةٍ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
قوله: «عدل محررة» ، أي: مثل رقبة معتقة.
[1338] وعن أَبي يحيى خُرَيْم بن فاتِكٍ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أنْفَقَ نَفَقَةً في سَبيلِ اللهِ كُتِبَ لَهُ سَبْعُ مِئَةِ ضِعْفٍ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
(1/734)
وروى أحمد وغيره عن أبي عبيدة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فسبع مئة ضعف، ومن أنفق على نفسه أو على أهله، أو أعاد مريضًا، أو أماط أذى عن الطريق، فهي حسنة بعشر أمثالها، والصوم جُنَّة ما لم يخرقها، ومن ابتلاه الله في جسده فهو له حطةٌ» .
[1339] وعن أَبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْماً فِي سَبيلِ اللهِ إِلا بَاعَدَ اللهُ بِذلِكَ اليَوْمِ وَجهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرْيفاً» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
الخريف هنا: العام، والفضل المذكور محمول على من لم يضعفه الصوم عن الجهاد.
[1340] وعن أَبي أُمَامَة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَامَ يَوْماً في سَبيلِ اللهِ جَعَلَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقاً كما بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
أخرج أحمد وغيره، عن العباس بن عبد المطلب، قال: (كنا عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «أتدرون كم بين السماء والأرض» ؟ قلنا: الله أعلم ورسوله، قال: «بينهما مسيرة خمس مئة سنة ... » .) الحديث.
[1341] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بغَزْوٍ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ» . رواه مسلم.
(1/735)
قال القرطبي: في الحديث: أن من لم يتمكن من عمل الخير ينبغي له العزم على فعله إذا تمكن منه، ليكون بدلاً عن فعله، فأما إذا خلا عنه ظاهرًا وباطنًا، فذلك شأن المنافق الذي لا يعمل الخير ولا ينويه، خصوصًا الجهاد الذي أعز الله به الإسلام، وأظهر به الدين.
[1342] وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كنا مَعَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غَزاةٍ فقال: «إنَّ بِالمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ المَرَضُ» .
وفي رواية: «حَبَسَهُمُ العُذْرُ» .
وفي رواية: «إِلا شَرَكُوكُمْ في الأجْرِ» . رواه البخاري من رواية أنس، ورواه مسلم من رواية جابر واللفظ لَهُ.
قال العيني: فيه: أن من حبسه العذر عن أعمال البر مع نيته فيها يكتب له أجر العامل بها.
[1343] وعن أَبي موسى - رضي الله عنه - أنَّ أعرابياً أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقال: يَا رسولَ اللهِ، الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ ليُرَى مَكَانُهُ؟
وفي رواية: يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً.
وفي رواية: وَيُقَاتِلُ غَضَباً، فَمَنْ في سبيل الله؟ فقالَ رسولُ اللهِ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ في سَبيلِ اللهِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
الحاصل: أن القتال يقع بسبب خمسة أشياء: طلب المغنم، وإظهار الشجاعة، والرياء، والحمية، والغضب. وكلٌّ منها يتناوله المدح والذم،
(1/736)
فلهذا لم يحصل الجواب بالإثبات ولا بالنفي.
وفي الحديث: أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة.
وفيه: ذم الحرص على الدنيا، وعلى القتال، لحض النفس في غير الطاعة.
وفيه: أن الفضل الذي ورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لإعلاء دين الله.
قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله، لم يضره ما انضاف إليه.
[1344] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ غَازِيَةٍ، أَوْ سَرِيّةٍ تَغْزُو، فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ، إِلا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورهُمْ، وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيّةٍ تُخْفِقُ وَتُصَابُ إِلا تَمَّ أجُورهُمْ» . رواه مسلم.
معناه: أن الغزاة إذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم، أو سلم ولم يغنم، كما قال بعض الصحابة: فمنا من سلم ولم يأكل من أجره شيئًا، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهديها.
[1345] وعن أَبي أُمَامَة - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً قَالَ: يَا رسولَ اللهِ، ائْذَنْ لي في السِّيَاحَةِ فَقَالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ - عز وجل -» . رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيدٍ.
السياحة: مفارقة الوطن والذهاب في الأرض.
وقال ابن المبارك: عن ابن لهيعة: أخبرني عمارة بن غزية، أن السياحة ذكرت عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبدلنا الله بذلك، الجهاد في سبيل الله، والتكبير على كل شرف» .
(1/737)
وقال ابن عباس وغيره: السائحون، الصائمون.
وقال عكرمة: السائحون هم طلبة العلم.
قال ابن كثير: ومن أفضل الأعمال، الصيام وهو ترك الملاذ من ... الطعام والشراب والجماع، وهو المراد بالسياحة ها هنا، ولهذا قال: ... {السَّائِحُونَ} [التوبة (112) ] ، كما وصف أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك في قوله تعالى: {سَائِحَاتٍ} [التحريم (5) ] ، أي صائمات، وكذا الركوع والسجود وهما عبارة عن الصلاة، ولهذا قال: {الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ} [التوبة (112) ] ، وهم مع ذلك ينفعون خلق الله، ويرشدونهم إلى طاعة الله بأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه، وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه ... علمًا وعملاً، فقاموا عبادة الحق، ونصح الخلق، ولهذا قال: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف (13) ] ، إلى أن قال:
وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض، والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن، والزلازال في الدين، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري، أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم، يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن» .
[1346] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَفْلَةٌ كَغَزْوَةٍ» . رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيدٍ.
«القَفْلَةُ» : الرُّجُوعُ، وَالمراد: الرُّجُوعُ مِنَ الغَزْوِ بَعدَ فَرَاغِهِ؛ ومعناه: أنه يُثَابُ في رُجُوعِهِ بعد فَرَاغِهِ مِنَ الغَزْوِ.
(1/738)
في هذا الحديث: أن أجر المجاهد في انصرافه إلى أهله بعد غزوه، كأجره في إقباله إلى الجهاد، كما يكتب أثر الماشي إلى المسجد، ورجوعه إلى أهله.
[1347] وعن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: لَمَّا قَدِمَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوَةِ تَبُوك تَلَقَّاهُ النَّاسُ، فَتَلَقّيتُهُ مَعَ الصِّبْيَانِ عَلَى ثَنيَّةِ الوَدَاعِ. رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيح بهذا اللفظ.
ورواه البخاري قَالَ: ذَهَبنا نَتَلَقَّى رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الصِّبْيَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ.
ثنية الوداع: موضع بقرب المدينة، سمّيت بذلك لأن المسافر كان يشيع إليها ويودع عندها.
[1348] وعن أَبي أُمَامَة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَمْ يَغْزُ، أَوْ يُجَهِّزْ غَازِياً، أَوْ يَخْلُفْ غَازياً في أهْلِهِ بِخَيرٍ، أصَابَهُ اللهُ بِقَارعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ» . رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
فيه: الوعيد لمن لم يجاهد بنفسه أو ماله.
[1349] وعن أنس - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأنْفُسِكُمْ وَألْسِنَتِكُمْ» . رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيح.
فيه: وجوب الجهاد بالمال، والنفس، واللسان، قال الله تعالى: ... {وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} [التوبة (41) ] .
(1/739)
[1350] وعن أَبي عمرو - ويقالُ: أَبُو حكيمٍ - النُّعْمَانِ بن مُقَرِّن - رضي الله عنه - قَالَ: شَهِدْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ من أوَّلِ النَّهَارِ أخَّرَ القِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَتَهُبَّ الرِّيَاحُ، وَيَنْزِلَ النَّصْرُ. رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
فيه: أن أحسن أوقات القتال أول النهار وبعد زوال الشمس لبرد الوقت.
قال ابن رَسْلاَن: وحربه عند هبوب الرياح استبشار بما نصره الله من الرياح، وهذا مفهوم من قوله: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» .
[1351] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللهَ العَافِيَةَ، فَإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
قال ابن بطال: حكمة النهي، أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن.
وقال الصدِّيق: لأن أعافى فأشكر، أحب إليَّ من أن أبتلى فأصبر.
وكان عليٌّ يقول: لا تدعُ إلى المبارزة، فإذا دعيت فأجب تنصر، فإن الداعي باغٍ.
(1/740)
[1352] وعنه وعن جابرٍ رضي الله عنهما: أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الحَرْبُ خَدْعَةٌ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
قوله: خدعة، بتثليث الخاء.
وفي الحديث: جواز استعمال الحيلة في الحرب مهما أمكن.
قال المهلب: الخِدَاع في الحرب جائز كيفما أمكن، إلا بالأيمان والعهود والصريح بالأمان، فلا يحل شيء من ذلك.
قال بعض أهل السير: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا الكلام يوم الأحزاب لنعيم بن مسعود.
235- باب بيان جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة
ويغسلون ويصلى عليهم بخلاف القتيل في حرب الكفار
[1353] عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ في سَبِيلِ اللهِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
المطعون: وهو الذي مات بالطاعون.
والمبطون: من مات بمرض البطن.
والغريق: من مات بالغرق.
وصاحب الهدم: من مات تحته.
والشهيد في سبيل الله: المقاتل إيمانًا واحتسابًا.
(1/741)
[1354] وعنه قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا تَعُدُّونَ الشُّهَدَاءَ ... فِيكُمْ؟» قالوا: يَا رسولَ اللهِ، مَنْ قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. قَالَ: «إنَّ شهَدَاءَ أُمَّتِي إِذَاً لَقَليلٌ» ! قالوا: فَمَنْ هُمْ يَا رسول الله؟ قَالَ: ... «مَنْ قُتِلَ في سَبيلِ الله فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ في سَبيلِ الله فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ في الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ في البَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَالغَرِيقُ شَهِيدٌ» . رواه مسلم.
قوله: «ومن مات في سبيل الله فهو شهيد» ، أي: مات بسبب غير القتال، قال الله تعالى: {وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران (157) ] .
[1355] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
قال ابن المنذر: الذي عليه أهل العلم، أن للرجل أن يدفع (من أراد أن يأخذ ماله أو شيئًا منه ظلمًا) ، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان، للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه.
وعند النسائي: «من قتل دون ماله مظلومًا فله الجنة» .
[1356] وعن أَبي الأعْوَر سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نُفَيْل، أحَدِ العَشَرَةِ المَشْهُودِ لَهُمْ بِالجَنَّةِ - رضي الله عنهم - قال: سَمِعْتُ رسول
(1/742)
الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قتِلَ دُونَ دِينهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
الحديث: دليل على جواز المقاتلة، لمن قصد أحد هؤلاء الخصال بغير حق.
[1357] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، أرَأيتَ إنْ جَاءَ رجلٌ يُرِيدُ أخْذَ مَالِي؟ قَالَ: «فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ» قَالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأنْتَ شَهِيدٌ» قَالَ: أَرَأيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ» . رواه مسلم.
الأمر بالمقاتله للإباحة، وجميع من ذكر من الشهداء يُغَسَّلون ويُصلَّى عليهم، إلا شهيد المعركة، والله أعلم.
236- باب فضل العتق
قَالَ الله تَعَالَى: {فَلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد (11: 13) ] .
{اقْتَحَمَ} : دخل وتجاوز بشدة، جعل الأعمال الصالحة عقبة، وعملها اقتحامًا لها، لما فيه من مجاهدة النفس، أي: فلم يشكر الإنسان تلك النعم بأعمالها في الحسنات.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} ، أي: لم تدر كُنْه صعوبتها وثوابها.
{فَكُّ رَقَبَةٍ} : تفسير للعقبة، أي: تخليصها من الرق.
{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} ، أي: مجاعة.
{يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} : وخص العتق والإطعام، لما فيهما من النفع المعتدي.
(1/743)
[1358] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْها، عُضْواً مِنْهُ في النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ ... بِفَرْجِهِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
فيه: أنه ينبغي أن يكون العتيق كاملاً ليحصل الاستيعاب، وعتق الذكر أفضل، لحديث «أيما امرئ مسلم أعتق امرءًا مسلمًا كان فكاكه من النار، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاك من النار» ، رواه الترمذي.
ولأبي داود: «أيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة، كانت فكاكها من النار» .
[1359] وعن أَبي ذرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رسول الله، أيُّ الأعمَالِ أفْضَلُ؟ قَالَ: «الإيمَانُ بِاللهِ، وَالجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ» قَالَ: قُلْتُ: أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ؟ قَالَ: «أنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأكْثَرُهَا ثَمَناً» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
الحديث: دليل على أنَّ ما كثرت قيمته واغتبط به سيده فعتْقهُ أفضل من غيره، وقد قال الله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران (92) ] .
237- باب فضل الإحسان إِلَى المملوك
قَالَ الله تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالوَالِدَيْنِ إحْسَاناً وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء (36) ] .
(1/744)
يأمر تعالى بعبادته وحده لا شريك له؛ لأنه الخالق الرازق، وأنْ لا يشركوا به شيئًا من مخلوقاته، ويوصي بالإحسان إلى الوالدين والأقربين، واليتامى، والمساكين، والجيران، والضيوف، والأرقاء؛ لأنَّ الرقيق ضعيف الحليلة أسير في أيدي الناس.
وعن أبي رجاء الهروي قال: لا تجد سيِّء الملكة إلا وجدته مختالاً فخورًا، وتلا: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [النساء (36) ] ، ولا عاقَّا إلا وجدته جبَّارًا شقيَّا، وتلا: ... {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} [مريم (32) ] .
[1360] وعنِ المَعْرُورِ بن سُوَيْدٍ قَالَ: رَأيْتُ أَبَا ذَرٍ - رضي الله عنه -، وَعَلَيهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهَا، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَذَكَرَ أنَّهُ سَابَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِليَّةٌ هُمْ إخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ الله تَحْتَ أيديكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
قوله: «فعيّره بأمه» ، قال له: يا ابن السوداء.
قوله: «فيك جاهلية» ، أي: خلق من أخلاق الجاهلية، وهي ما قبل الإسلام، سُمّوا به لكثرة جهالاتهم.
قوله: «هم إخوانكم وخولكم» ، أي: لأنتم وهم أولاد آدم. وخولكم، أي: خدمكم.
وفي الحديث: الندب إلى مساواة المماليك في الطعام واللباس، وإنْ كان الاستئثار جائزًا إذا لم ينقصهم عن عادة البلد.
[1361] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا أَتَى أحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ
(1/745)
أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ؛ فَإنَّهُ وَلِيَ عِلاَجَهُ» . رواه البخاري.
«الأُكْلَةُ» بضم الهمزة: هِيَ اللُّقْمَةُ.
فيه: الأمر بالتواضع، وعدم الترفع على المسلم، ويلتحق بالرفيق من في معناه من أجير وغيره.
238- باب فضل المملوك الَّذِي يؤدي
حق الله تعالى وحق مواليه
[1362] عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ العَبْدَ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ، وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
[1363] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِلْعَبْدِ المَمْلُوكِ المُصْلِحِ أجْرَانِ» ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ لَوْلا الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ وَالحَجُّ، وَبِرُّ أُمِّي، لأَحْبَبْتُ أنْ أَمُوتَ وَأنَا مَمْلُوكٌ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال الحافظ: وإنما استثنى أبو هريرة هذه الأشياء؛ لأن الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد، وكذلك بر الأم فقد يحتاج فيه إلى إذن السيد في بعض وجوهه، بخلاف بقية العبادات البدنية.
[1364] وعن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ مِنَ الحَقِّ، وَالنَّصِيحَةِ، وَالطَّاعَةِ، لهُ أجْرَانِ» . رواه البخاري.
(1/746)
[1365] وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلاثَةٌ لَهُمْ أجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالعَبْدُ المَمْلُوكُ إِذَا أدَّى حَقَّ الله، وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَأدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا؛ فَلَهُ أَجْرَانِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
في هذا الحديث: فضل هؤلاء الثلاثة، ويشهد لذلك قوله تعالى: ... {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [القصص (52، 54) ] .
239- باب فضل العبادة في الهرج
وَهُوَ: الاختلاط والفتن ونحوها
[1366] عن مَعْقِلِ بن يسار - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العِبَادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إليَّ» . رواه مسلم.
قال النووي: سبب كثرة فضل العبادة في الهرج، أنَّ الناس يغفلون ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا الأفراد.
قال القرطبي: المتمسك في ذلك الوقت، والمنقطع إليها، المنعزل عن الناس، أجره كأجر المهاجر إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه ناسبه من حيث أن المهاجر فرَّ بدينه ممن يصده عنه للاعتصام بالنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكذا هذا المنقطع للعبادة فرَّ من الناس بدينه إلى الاعتصام بعبادة ربه، فهو في الحقيقة قد هاجر إلى ربه، وفرّض من جميع خلقه.
(1/747)
240- باب فضل السماحة في البيع والشراء
والأخذ والعطاء وحسن القضاء والتقاضي
وإرجاح المكيال والميزان
والنهي عن التطفيف وفضل إنظار الموسِر المُعْسِرَ والوضع عَنْهُ
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة (215) ] . أي فيجزيكم عليه قليلاً كان أو كثيرًا.
وقال تَعَالَى: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُم} [هود (85) ] .
يقول تعالى حكايةً لمَّا قال شعيب لقومه: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} ، أي: الكيل والوزن (بِالْقِسْطِ) بالعدل والسوية. {وَلا تَبْخَسُوا} تنقصوا النَّاسَ أَشْيَاءهُم، تعميم بعد تخصيص، وقيل: كانوا مكاسين.
وقال تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين (1: 6) ] .
قال الزَّجَّاج: إنما قيل ينقص المكيال والميزان: مطفف؛ لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف.
قال نافع: كان ابن عمر يمرُّ بالبائع فيقول: اتَّقِ الله، أوفِ الكيل والوزن، فإن المطففين يوقفون يوم القيامة، حتى إنّض العرق ليلجمهم إلى أنصاف إذانهم.
[1367] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَقَاضَاهُ فَأغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أصْحَابُهُ، فَقَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعُوهُ، فَإنَّ
(1/748)
لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالاً» ثُمَّ قَالَ: «أعْطُوهُ سِنّاً مِثْلَ سِنِّهِ» . قالوا: يَا رسولَ اللهِ، لا نَجِدُ إِلا أمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: «أعْطُوهُ، فإنَّ خَيْرَكُمْ أحْسَنُكُمْ قَضَاءً» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
قوله: «فإن لصاحب الحق مقالاً» ، أي: صولة الطلب، وقوة الحجة.
وفي الحديث: جواز المطالبة بالدَّين إذا حل أجله.
وفيه: حسن خلق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعظم حلمه، وتواضعه، وإنصافه، وأنّ مَنْ عليه دين لا ينبغي له مجافاة صاحب الحق.
وفيه: جواز استقراض الحيوان والسلم فيه.
وفيه: جواز وفاء ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد.
[1368] وعن جابر - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» . رواه البخاري.
قال البخاري: باب السهولة والسماحة في البيع، ومن طلب حقَّا فليطلبه في عفاف. وذكر الحديث.
قوله: «فليطلبه في عفاف» ، أي: عما لا يحل من قولٍ أو فعل، أشار بهذا إلى ما أخرجه الترمذي وغيره، عن ابن عمر، وعائشة، مرفوعًا: ... «من طلب حقَّا فليطلبه في عفافٍ، وافٍ أو غير وافٍ» .
وفي الحديث: الحضُّ على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم.
(1/749)
[1369] وعن أَبي قتادة - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يُنَجِّيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ» . رواه مسلم.
هذا مقتبس من مشكاة قوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة (280) ] .
[1370] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، وَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِراً فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ أنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَلَقِيَ اللهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
يدخل في التجاوز: الإنظار، والوضيعة، وحسن التقاضي.
[1371] وعن أَبي مسعود البدريِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ... «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيْرِ شَيْءٌ، إِلا أنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ مُوسِراً، وَكَانَ يَأمُرُ غِلْمَانَهُ أنْ يَتَجَاوَزُوا عَن المُعْسِر. قَالَ اللهُ - عز وجل -: نَحْنُ أَحَقُّ بذلِكَ مِنْهُ؛ تَجَاوَزُوا عَنْهُ» . رواه مسلم.
[1372] وعن حذيفة - رضي الله عنه - قَالَ: أُتَي اللهُ تَعَالَى بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ في الدُّنْيَا؟ قَالَ: {وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ ... حَدِيثاً} قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ، فَكُنْتُ أُبَايعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى المُوسِرِ، وَأُنْظِرُ
(1/750)
المُعْسِرَ. فَقَالَ الله تَعَالَى: «أنَا أَحَقُّ بِذا مِنْكَ تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي» فَقَالَ عُقْبَةُ بن عامِر، وأبو مسعودٍ الأنصاريُّ رضي الله عنهما: هكَذا سَمِعْنَاهُ مِنْ فيِّ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه مسلم.
قال البخاري: باب من أنظر موسرًا. وذكر حديث حذيفة، قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، قالوا: أعَمِلْتَ من الخير شيئًا؟ قال: كنت آمر فِتْياني أنْ يُنْظِرُوا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر» .
وقال أبو مالك عن ربعي: كنت أيسر على الموسر، وانظر المعسر.
وقال أبو عوانة عن عبد الملك عن ربعي: أُنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر.
وقال ابن أبي هند عن ربعي: فأقبل من الموسر، وأتجاوز عن المعسر.
[1373] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً، أَوْ وَضَعَ لَهُ، أظَلَّهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
فيه: عظم ثواب من أخّر مطالبة المعسر، أو وضع دَيْنِه.
[1374] وعن جابر - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْهُ بَعِيراً، فَوَزَنَ لَهُ فَأرْجَحَ. متفقٌ عَلَيْهِ.
فيه: استحباب الرجحان في الوزن.
[1375] وعن أَبي صَفْوَان سُويْدِ بنِ قيسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَلَبْتُ أنَا وَمَخْرَمَةُ العَبْدِيُّ بَزّاً مِنْ هَجَرَ، فَجَاءنا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَاوَمَنَا
(1/751)
بسَرَاوِيلَ، وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ بِالأجْرِ، فَقَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْوَزَّانِ: «زِنْ وَأرْجِحْ» . رواه أَبُو داود، والترمذي وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
هَجَر: بفتحتين بلد معروف، وهو قصبة البحرين.
وفي المثل: كمبضع تمرٍ إلى هَجَر.
***
(1/752)
=====


( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

تطريز رياض الصالحين
كتَابُ العِلم
241- باب فضل العلم
قَالَ الله تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمَاً} [طه (114) ] .
هذا من أعظم أدلة شرف العلم، وعظمه، إذ لم يؤمر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يسأل ربه الزيادة إلا منه.
وروى الترمذي وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وارزقني علمًا ينفعني، وزدني علمًا، الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار» .
وقال تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} [الزمر (9) ] .
هذا استفهام إنكار في معنى النفي، أي: لا استواء بينهم.
وقال تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ ... دَرَجَاتٍ} [المجادلة (11) ] .
أي: ويرفع الله العلماء من المؤمنين درجات بما جمعوا من العلم والعمل.
وقال تَعَالَى: {إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر (28) ] .
وقال ابن عباس: يريد إنما يخافني مِنْ خلقي، مَنْ عَلِمَ جبروتي، وعزَّتي، وسلطاني.
وقال ابن مسعود: ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية.
(1/753)
وقال الحسن البصري: العالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه. ثم تلا: {إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إن الله عزيز غفور} [فاطر (28) ] .
[1376] وعن معاوية - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ» . متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل التفقَّه في الدين على سائر العلم.
قال الحافظ: ومفهوم الحديث: أنَّ من لم يتفقّه في الدين، أي: يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع، فقد حُرِمَ الخير.
[1377] وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا حَسَدَ إِلا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» . متفقٌ عَلَيْهِ.
والمراد بالحسدِ: الغِبْطَةُ، وَهُوَ أنْ يَتَمَنَّى مِثله.
قال البخاري: باب الاغتباط في العلم والحكمة. وقال عمر: «تفقُّهوا قبل أنْ تسودوا» . وذكر الحديث.
والحسد المذكور في الحديث: هو الغبطة، وليس من الحسد المذموم الذي هو تمنّي زوال النعمة عن المنعم عليه، والمراد بالحكمة هنا: القرآن. وقيل: كل ما منع من الجهل، وزجر عن القبيح.
(1/754)
[1378] وعن أَبي موسى - رضي الله عنه - قال: قَالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أصَابَ أرْضاً؛ فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبةٌ قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ، وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أجَادِبُ أمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ؛ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كلأً، فَذلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ في دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأسَاً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» . متفقٌ عَلَيْهِ.
قال البخاري: باب فضل من علم وعلَّمَ. وذكر الحديث.
قوله: «أجادب» ، هي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء وجمع - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المثل بين الطائفتين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها.
[1379] وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَلِيٍّ - رضي الله عنه -: «فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» . متفقٌ عَلَيْهِ.
فيه: فضل نشر العلم والدعوة إلى الإسلام.
قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف (108) ] .
[1380] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلا
(1/755)
حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . رواه البخاري.
في هذا الحديث: الحضُّ على تعليم القرآن.
قال الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} ... [الأنعام (19) ] ، وتحريم الكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والوعيد على ذلك بالنار، وهو من الكبائر.
قوله: «وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» . قال الحافظ: أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم؛ لأنه كان تقدم منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزجر عن الأخذ عنهم، والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسع في ذلك، وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية، والقواعد الدينية، خشية الفتنة. ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك؛ لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار.
[1381] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ» . رواه مسلم.
في هذا الحديث: فضل طلب العلم الديني، وأنّ الله تعالى يوفّق طالبه لسلوك طريق الجنة.
[1382] وعنه أَيضاً - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً» . رواه مسلم.
فيه: فضل الدعوة إلى الهدى، ولو بإبانته وإظهاره، قليلاً كان أو كثيرًا، وأن الداعي له مثل أجر العامل، وذلك من عظيم فضل الله وكمال كرمه.
[1383] وعنه قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ
(1/756)
عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» . رواه مسلم.
الحديث: دليل على أنه ينقطع أجر كل عمل بعد الموت، إلا هذه الثلاث فإنه يجري ثوابها بعد الموت لدوام نفعها.
الأولى: الصدقة الجارية، كالوقف ونحوه.
الثانية: علم ينتفع به كالتعليم والتصنيف.
الثالثة: دعاء الولد الصالح.
[1484] وعنه قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلا ذِكْرَ الله تَعَالَى، وَمَا وَالاهُ، وَعَالِماً، أَوْ مُتَعَلِّماً» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
قَوْله: «وَمَا وَالاَهُ» : أيْ طَاعة الله.
الملعون من الدنيا، ما ألهى عن طاعة الله.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون (9) ] .
[1385] وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ خَرَجَ في طَلَبِ العِلْمِ كَانَ في سَبيلِ اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
وجه مشابهة طلب العلم بالجهاد في سبيل الله، أنه إحياء للدين، وإذلال للشيطان وإتْعابٌ للنفس، وكسر للهوى واللذة.
(1/757)
قال البخاري: باب الخروج في طلب العلم، ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهرٍ إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد. وذكر حديث ابن عباس في سفر موسى عليه السلام إلى الخضر.
وفيه: ما كان عليه الصحابة من الحرص على تحصيل السنن النبوية.
قيل لأحمد: رجل يطلب العلم، يلزم رجلاً عنده علم كثير، أو يرحل؟ قال: يرحل يكتب عن علماء الأمصار، فيشام الناس ويتعلّم منهم.
[1386] وعن أَبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَنْ يَشْبَعَ مُؤْمِنٌ مِنْ خَيْرٍ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الجَنَّةَ» . رواه الترمذي وقال: ... (حديث حسن) .
قوله: «لن يشبع المؤمن من خير» ، أي: من كل مُقَرَّبٍ إلى الله تعالى، وأشرفها العلم الديني.
وفي بعض الآثار: «اثنان لا يشبعان ولا يستويان: طالب علم، وطالب دنيا»
[1387] وعن أَبي أُمَامَة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أدْنَاكُمْ» .
ثُمَّ قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأهْلَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الخَيْرَ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
(1/758)
فيه: عِظَمُ شرف العلماء الذين تعلموا العلم، وقاموا بحقه من عمل، أو نفع، أو هداية، أو غير ذلك من حقوق العلم النافع، وأنهم بمنزلة الأنبياء.
[1388] وعن أَبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَبْتَغِي فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَريقاً إِلَى الجَنَّةِ، وَإنَّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضاً بِمَا يَصْنَعُ، وَإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ حَتَّى الحيتَانُ في المَاءِ، وَفضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وَإنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وَإنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يَوَرِّثُوا دِينَاراً وَلا دِرْهَماً وَإنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بحَظٍّ وَافِرٍ» . رواه أَبُو داود والترمذي.
قوله: «وإن العلماء ورثة الأنبياء» ، أي: في العلم، والعمل، والكمال، ولا يتم ذلك إلا لمن صفى علمه، وعمله، فسَلِمَ من الإخلاد إلى الشهوات الخافضة.
قال الحسن: من طلب العلم يريد ما عند الله، كان خيرًا له مما طلعت عليه الشمس.
وقال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
[1389] وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئاً، فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
قوله: «نضر الله امرءًا» ، أي: نعَّمه. والنضارة في الأصل: حسن الوجه والبريق. وإنما أراد حسن خلقه وقدره. قاله في النهاية.
قال بعضهم: إني لأرى في وجوه أهل الحديث نضرة. أشار به إلى إجابة الدعوة لهم.
(1/759)
وفيه: فضيلة للضابط الحافظ ألفاظ السنَّة.
وروى الشافعي وغيره: (نضر الله عبدًا سمع مقالتي فحفظها ووعاها، فَرُبَّ حاملِ فقهٍ غير فقيه، ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه) .
[1390] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سُئِلَ عن عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
فيه: عِظَم وعيدِ من كتم العلم الشرعي لغرض دنيوي.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة (174) ] .
[1391] وعنه قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ - عز وجل - لا يَتَعَلَّمُهُ إِلا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ» . يَعْنِي: رِيحَهَا. رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
فيه: وعيد شديد لمن تعلّم علوم الدين، ولا يقصد بذلك إلا الدنيا.
قال الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود (15، 16) ] .
[1392] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما،
(1/760)
قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزعهُ مِنَ النَّاسِ، وَلكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأفْتوا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا» . متفقٌ عَلَيْهِ.
قال البخاري: باب كيف يُقْبَض العلم.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاكتبه، فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء، ولا تَقْبَلْ إلا حَدِيثَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولتفشوا العلم، ولِتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًا. وذكر الحديث.
قال الحافظ: وفيه: الحث على حفظ العلم، والتحذير من ترئيس الجهلة.
وفيه: أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية، وذم من يقدم عليها بغير علم، وقال البخاري أيضًا: باب رفع العلم وظهور الجهل. وقال ربيعة: لا ينبغي لأحدٍ عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه، وذكر حديث أنس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنّ من أشراط الساعة أنْ يُرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا» .
قال الحافظ: ومراد ربيعة: أنَّ من كان فيه فهم وقابلية للعلم، لا ينبغي له أنْ يهمل نفسه فيترك الاشتغال به، لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم.
أو مراده: الحثّ على نشر العلم في أهله، لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم.
أو مراده: أن يشهر العالم نفسه، ويتصدى للأخذ عنه لئلا يضيع علمه.
وقيل: مراده تعظيم العلم وتوقيره، فلا يهين نفسه بأنْ يجعله عرضًا للدنيا. وهذا معنى حسن، لكن اللائق بتبويب المصنف، ما تقدم، انتهى. والله أعلم.
(1/761)
=======


( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

تطريز رياض الصالحين
كتَاب حَمد الله تَعَالَى وَشكره
242- باب فضل الحمد والشكر
الحمد أعم من الشكر، وقيل: الحمد باللسان قولاً، وبالأركان فعلاً.
قَالَ الله تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} ... [البقرة (152) ] .
قال ابن عباس: اذكروني بطاعتي، أذكركم بمعونتي.
وعن زيد بن أسلم: أن موسى عليه السلام قال: يَا رب كيف أشكرك؟ قال له ربه: تذكرني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني.
وعن ابن عباس في قوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ، قال: ذكر الله إيَّاكم أكبر من ذكركم إياه.
وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى: «من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خيرٍ منهم» .
وقال تَعَالَى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم (7) ] .
أي: لئن شكرتم نعمتي، وأَطَعتموني لأزيدنكم في النعمة.
(1/762)
وقال تَعَالَى: {وَقُلِ الحَمْدُ للهِ} [الإسراء (111) ] .
وقال {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [يونس (10) ] .
عن كثير من السلف: أن أهل الجنة كلما اشتهوا شيئًا قالوا: سبحانك اللَّهُمَّ، فيأتيهم الملك بما يشتهون، ويسلِّم عليهم، فيردُّون عليه. وذلك قوله تعالى: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} [يونس (10) ] ، فإذا أكلوا، وحمدوا الله. وذلك في قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} [الأنعام (1) ] .
وقال تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر (75) ] .
قال ابن عباس: افتتح الله الخلق بالحمد، وختمه بالحمد.
وقال تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص (70) ] .
[1393] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ. فَقَالَ جِبريل: الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلفِطْرَةِ لَوْ أخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ. رواه مسلم.
قال النووي: فسروا الفطرة هنا، بالإسلام والاستقامة، ومعناه والله أعلم: اخترت علامة للإسلام والاستقامة، وجعل اللَّبَن علامة ذلك، لكونه سهلاً طيبًا طاهرًا سائغًا للشاربين، سليم العاقبة. والخمر أم الخبائث، جالبة لأنواع من الشر، حالاً ومآلاً.
(1/763)
[1394] وعنه: عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ أمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدأُ فِيهِ بِالحَمْدُ للهِ فَهُوَ أقْطَعُ» . حديث حسن، رواه أَبُو داود وغيره.
قوله: «كل أمر ذي بال» ، أي: ذي شأن يُهتم به شرعًا. «لا يبدأ فيه بالحمد لله فهوأقطع» ، أي: ناقص البركة.
[1395] وعن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدي؟ فَيقولون: نَعَمْ، فيقول: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤادِهِ؟ فيقولون: نَعَمْ، فيقول: ماذا قَالَ عَبْدِي؟ فَيقولون: حَمدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فيقُولُ اللهُ تَعَالَى: ابْنُوا لِعَبْدي بَيتاً في الجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
الولد هنا شامل للبالغ، وغيره، والذكر، والأنثى. وسمي ثمرةً لكونه بمنزلة خلاصة الخلاصة.
وفيه: كمال فضل الصبر على فقد الصفيّ. كما في حديث الآخر: ... «ما لعبدي المؤمن إذا قبضت صفيّه من الدنيا فاحْتَسَبَ إلا الجنة» .
[1396] وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الله لَيرْضَى عَنِ العَبْدِ يَأكُلُ الأَكْلَةَ، فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا، وَيَشْرَبُ الشَّرْبَة، فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا» . رواه مسلم.
في هذا الحديث: بيان فضل الحمد عند الطعام والشراب، وهذا من كرم الله تعالى، فإنه الذي تفضَّل عليك بالرزق، ورضي عنك بالحمد.
(1/764)
=======


( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

تطريز رياض الصالحين
كتاب الصَّلاة عَلَى رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
243- باب فضل الصلاة عَلَى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ الله تَعَالَى: {إنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب (56) ] .
أمر الله كل مؤمن بالصلاة والسلام على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووطأ قبله بالإخبار عنه تعالى، وعن ملائكته الكرام، بأنهم دائمون على ذلك.
قال أبو العالية: صلاة الله تعالى: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء.
وقال ابن عباس: يصلون: يبركون.
وروي عن سفيان الثوري، وغير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب: الرحمة. وصلاة الملائكة: الاستغفار.
قال ابن كثير: والمقصود من هذه الآية، أنَّ الله سبحانه وتعالى أخبر عبادة بمنزلة عبده ونبيّه في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأنَّ الملائكة تصلّي عليه.
ثم أمر تعالى أهل العالم السُّفْلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العَالَمِيْن: العلوي والسفلي جميعًا.
(1/765)
[1397] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما: أنَّه سمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» . رواه مسلم.
الحديث: رواه أحمد أيضًا عن أبي موسى بلفظ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً واحدةً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات» .
[1398] وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَومَ القِيَامَةِ أكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
قوله: «أولى الناس بي» ، أي: أخص أمتي بي، وأقربهم مني، وأحقهم بشفاعتي يوم القيامة، أكثرهم علَّي صلاة.
[1399] وعن أوس بن أوس - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مِنْ أفْضَلِ أيَّامِكُمْ يَومَ الجُمُعَةِ، فَأكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ، فَإنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» . فَقَالُوا: يَا رسول الله، وَكَيفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟! قَالَ: يقولُ بَلِيتَ. قَالَ: «إنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الأرْضِ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ» . رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيح.
في هذا الحديث: استحباب كثرة الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الجمعة.
[1400] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «
(1/766)
رَغِمَ أنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
فيه: استحباب الصلاة عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ذكر، وذم من لم يصلِّ عليه إذا ذُكِرَ عنده.
[1401] وعنه - رضي الله عنه -: قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً، وَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ» . رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيح.
أول الحديث: «لا تجعلوا بيتوكم قبورًا» ، أي: لا تعطلوها عن الصلاة فيها، فتكونَ بمنزلة القبور، فأمر بتحرِّي العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى، ومن تشبه بهم من هذه الأمة.
قوله: «ولا تجعلوا قبري عيدًا» . العيد: ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان.
قوله: «وصلوا عَلَيَّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» . يشير بذلك إلى أنَّ ما ينالني منكم من الصلاة والسلام، يحصل مع قربكم من قبري، وبعدكم فلا حاجة لكم إلى اتخاذه عيدًا.
[1402] وعنه: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ» . رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيح.
عن سهيل بن أبي صالح، قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عند القبر، فناداني – وهو في بيت فاطمة رضي الله عنها يتعشَّى – فقال: هَلُمَّ إلى العشاء. فقلت: لا أريده. فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إذا دخلت المسجد
(1/767)
فسلم. ثم قال: إنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تتخذوا قبري عيدًا» ، «ولا تتخذوا بيتوكم مقابر» ، «وصلوا عَلَيَّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم» ، «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ، ما أنتم ومَنْ بالأندلس إلا سواء. رواه سعيد بن منصور.
[1403] وعن عليّ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
قوله: «البخيل» ، أي: كامل البخل.
وفي رواية: «البخيل كل البخل من ذُكِرْت عنده فلم يصل عَلَيَّ» .
[1404] وعن فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ - رضي الله عنه - قال: سَمِعَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلاً يَدْعُو في صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ الله تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَجِلَ هَذَا» ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ - أَوْ لِغَيْرِهِ -: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
فيه: استحباب بدء الدعاء بالحمد لله، والصلاة على نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[1405] وعن أَبي محمدٍ كعبِ بن عُجْرَة - رضي الله عنه - قال: خَرَجَ عَلَيْنَا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ،
(1/768)
فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجْيدٌ» . متفقٌ عَلَيْهِ.
قوله: (قد علمنا كيف نسلم عليك) ، أي: بما علمهم في التشهد من قولهم: السَّلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
[1406] وعن أَبي مسعودٍ البدري - رضي الله عنه - قال: أتَانَا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحنُ في مَجْلِسِ سَعدِ بن عُبَادَةَ - رضي الله عنه -، فَقَالَ لَهُ بَشْيرُ بْنُ سَعدٍ: أمَرَنَا الله تَعَالَى أنْ نُصَلِّي عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَسَكَتَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَمَنَّيْنَا أنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلاَمُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ» . رواه مسلم.
قوله: «كما صليت على إبراهيم» . «وكما باركت على إبراهيم» . وقع للبخاري في كتاب: أحاديث الأنبياء في ترجمة إبراهيم عليه السَّلام، من حديث كعب بن عجرة بلفظ: «كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم» . وكذا قوله: «كما باركت» ... .
[1407] وعن أَبي حُمَيدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قال: قالوا: يَا رسولَ الله كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
(1/769)
مُحَمَّدٍ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى أزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجِيدٌ» . متفقٌ عَلَيْهِ.
قوله: «وعلى أزواجه» . زوجاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إحدى عشرة، توفي منهن اثنتان على عهده، ومات عن تسع.
«وذريته» ، أي: جميع أولاده، وبناته، وذريتهن.
(1/770)
================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق