1

النظم الفهرسية الموسوعية الببلوجرافية للأحاديث النبوية وأهميتها

bad-8/77


الأحد، 17 أبريل 2022

تطريز رياض الصالحينمن {كتاب آداب الطعام} حتي اخر كتاب {كتاب اللباس} يعني من {[728] الي [813] }

تطريز رياض الصالحين
كتاب آداب الطعام
100- باب التسمية في أوله والحمد في آخره
[728] وعن عُمَرَ بنِ أبي سَلمة رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينكَ، وكُلْ مِمَّا يَليكَ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
فيه: الأمر بالتسمية عند الأكل، والأكل باليمين، ومن الجانب الذي يليه.
[729] وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا أكَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللهِ تَعَالَى، فإنْ نَسِيَ أنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللهِ تَعَالَى في أوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ: بسم اللهِ أوَّلَهُ وَآخِرَهُ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
فيه: أن من نسي التسمية عند أول الطعام أنه يقول إذا ذكر: بسم الله أوله وآخره.
[730] وعن جابرٍ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولُ: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ تَعَالَى عِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ لأَصْحَابِهِ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ تَعَالَى عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ؛ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ تَعَالَى عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أدْرَكْتُم المَبيتَ وَالعَشَاءَ» . رواه مسلم
(1/467)
فيه: أن الذكر يطرد الشيطان، فإن الشيطان يشارك الإنسان في كل شيء، قال لله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الإسراء (64) ] .
[731] وعن حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قال: كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَاماً، لَمْ نَضَعْ أيدِينَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَضَعَ يَدَهُ، وَإنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَاماً، فَجَاءتْ جَارِيَةٌ كَأنَّهَا تُدْفَعُ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا في الطَّعَامِ، فَأَخَذَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهَا، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيّ كأنَّمَا يُدْفَعُ، فَأخَذَ بِيَدهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أنْ لا يُذْكَرَ اسمُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَإنَّهُ جَاءَ بهذِهِ الجارية لِيَسْتَحِلَّ بِهَا، فأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بهذا الأعرَابيّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فَأخذْتُ بِيَدِهِ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّ يَدَهُ في يَدِي مَعَ يَدَيْهِمَا» ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللهِ تَعَالَى وَأكَلَ. رواه مسلم.
في هذا الحديث: التأدب مع الرئيس، وتعليم الجاهل والأخذ على يده.
[732] وعن أُمَيَّةَ بن مَخْشِيٍّ الصحابيِّ - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسَاً، وَرَجُلٌ يَأكُلُ، فَلَمْ يُسَمِّ اللهَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعَامِهِ إِلا لُقْمَةٌ، فَلَمَّا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ، قَالَ: بِسْمِ اللهِ أوَّلَهُ وَآخِرَهُ، فَضَحِكَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: «مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأكُلُ مَعَهُ، فَلَمَّا ذَكَرَ اسمَ اللهِ اسْتَقَاءَ مَا فِي بَطْنِهِ» . رواه أَبُو داود والنسائي.
فيه: أن من لم يسم أكل معه الشيطان، فإذا سمى قاء الشيطان ما أكله.
[733] وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كَانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأكُلُ طَعَاماً في سِتَّةٍ مِنْ أصْحَابِهِ، فَجَاءَ أعْرَابِيٌّ، فَأكَلَهُ بلُقْمَتَيْنِ. فَقَالَ ...
(1/468)
رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما إنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
فيه: أنه إذا لم يسم على الطعام نزعت منه البركة.
[734] وعن أَبي أُمَامَة - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ، قال: ... «الْحَمْدُ للهِ كَثِيراً طَيِّباً مُبَاركَاً فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلا مُوَدَّعٍ، وَلا مُسْتَغْنَىً عَنْهُ رَبَّنَا» . رواه البخاري.
معنى: «غير مَكْفِيٍّ» : أنه يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ، ومعنى: «ولا مستغنى عنه» : أن كل خلقه محتاجون إليه كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر (15) ] .
قال الخطابي: المراد بهذا الدعاء كله الباري سبحانه وتعالى، والضمير يعود إليه. وقال صاحب " المطالع ": الضمير يعود على الطعام: قال الحربي: المكفي الإناء المقلوب للاستغناء عنه.
[735] وعن معاذِ بن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أكَلَ طَعَامَاً، فَقال: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أطْعَمَنِي هَذَا الطعام، وَرَزَقنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
قوله: «من غير حول مني» ، أي: حيلة، ولا قوة، قيل: (أشار به إلى طريقي التحصيل للطعام، فإن القوي يحصله ظاهرًا بقوته، والضعيف بحيلته. فأشار به إلى أن حصول ذلك بمحض الفضل من الله تعالى. ورواه أحمد بزيادة: «
(1/469)
ومن لبس ثوبًا فقال: الحمد الله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقد من ذنبه وما تأخر» .
101- باب لا يَعيبُ الطّعام واستحباب مَدحه
[736] وعن أَبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: مَا عَابَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامَاً قَطُّ، إن اشْتَهَاهُ أكَلَهُ، وَإنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
في تعييب الطعام كسر لقلب صاحبه، وفي مدحه الثناء على الله سبحانه وتعالى وجبر لقلب صاحبه.
[737] وعن جابر - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ أهْلَهُ الأُدْمَ، فقالوا: مَا عِنْدَنَا إِلا خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأكُلُ، ويقول: «نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ، نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ» . رواه مسلم.
في هذا الحديث: مدح التأدم بالخل. قال في القاموس: الخل ما حمض من عصير العنب وغيره نافع للمعدة، واللثة، والقروح الخبيثة، والحكة، ونهش الهوام، وأكل الأفيون، وحرق النار وأوجاع الأسنان وبخار حاره للاستقساء وعسر السمع والدوي والطنين.
102- باب مَا يقوله من حضر الطعام
وهو صائم إِذَا لَمْ يفطر
[738] عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإنْ كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلِّ، وَإنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَطْعَمْ» . رواه مسلم.
(1/470)
قَالَ العلماءُ: معنى «فَلْيُصَلِّ» : فَلْيَدْعُ، ومعنى «فَلْيطْعَمْ» : فَلْيَأْكُلْ.
المراد بالصوم هنا صيام التطوع.
وفي الحديث: الأمر بإجابة الداعي، واستحباب الأكل والإفطار، إن جبر قلب الداعي.
103- باب مَا يقوله من دُعي إِلَى طعام فتبعه غيره
[739] عن أَبي مسعود البَدْريِّ - رضي الله عنه - قال: دعا رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَعَامٍ صَنعَهُ لَهُ خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ، فَلَمَّا بَلَغَ البَابَ، قَالَ النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ هَذَا تَبِعَنَا، فَإنْ شِئْتَ أنْ تَأْذَنَ لَهُ، وَإنْ شِئْتَ رَجَعَ» . قَالَ: لا، بل آذَنُ لَهُ يَا رَسُولَ الله. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال الشارح: هذا لا يخالف ما جاء في حديث آخر من اتباعه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنسًا رضي الله عنه لما دعاه الخياط للضيافة، لأن هذا محمول على ما إذا لم يعلم برضا رب المنزل فبخلاف ما إذا كان واثقًا برضاه.
104- باب الأكل مِمَّا يليه
ووعظه وتأديبه من يسيء أكله
[740] عن عمر بن أَبي سَلمَة رضي الله عنهما، قَالَ: كُنْتُ غُلاماً في حِجْرِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لي رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا غُلامُ، سَمِّ اللهَ تَعَالَى، وَكُلْ بِيَمينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
قَوْله: «تَطِيشُ» بكسرِ الطاء وبعدها ياءٌ مثناة من تَحْت، معناه: تتحرك وتمتد إِلَى نَوَاحِي الصَّحْفَةِ.
في هذا الحديث: آداب الأكل والأمر بالأكل مما يليه إذا كان لونًا واحدًا.
(1/471)
[741] وعن سلمةَ بن الأَكْوَع - رضي الله عنه - أنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ» قَالَ: لا أسْتَطِيعُ. قَالَ: «لا اسْتَطَعْتَ» ! مَا مَنَعَهُ إِلا الكِبْرُ! فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ. رواه مسلم.
دعا عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رأى من عناده وكبره عن الانقياد للحق.
105- باب النّهي عن القِرَانِ بين تمرتين ونحوهما
إِذَا أكل جماعة إِلا بإذن رفقته
[742] عن جَبَلَة بن سُحَيْم، قَالَ: أصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ مَعَ ابن الزُّبَيْرِ؛ فَرُزِقْنَا تَمْراً، وَكَانَ عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما يَمُرُّ بنا ونحن نَأكُلُ، فَيقُولُ: لا تُقَارِنُوا، فإنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عنِ الاقرَانِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِلا أنْ يَسْتَأذِنَ الرَّجُلُ أخَاهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال العلماء: إن كان يعلم رضا الشركاء بقرنه بينهما جاز مع الكراهة والنهي عن القرآن من حسن الأدب في الأكل.
قوله: (نهى عن الإقران) : قال ابن الأثير: كذا روي، والأصل القران.
106- باب مَا يقوله ويفعله من يأكل وَلا يشبع
[743] عن وَحْشِيِّ بن حرب - رضي الله عنه - أنَّ أصحابَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: يَا رسولَ اللهِ، إنَّا نَأكُلُ وَلا نَشْبَعُ؟ قَالَ: «فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ» قالوا: نَعَمْ. قال: «فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» رواه أَبُو داود.
فيه: أنَّ البركة تنزل مع الجماعة. زاد الطبراني من حديث ابن عمر: «فإن
(1/472)
طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة» .
107- باب الأمر بالأكل من جانب القصعة
والنهي عن الأكل من وسطها
فِيهِ: قَوْله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» . متفق عَلَيْهِ كما سبق.
[744] وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «البَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطعَامِ؛ فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ، وَلا تَأكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
قال الشافعي: فإن أكل مما يملي غيره أو من رأس الطعام أثم بالفعل الذي فعله، إذا كان عالمًا بنهي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[745] وعن عبد الله بن بُسْرٍ - رضي الله عنه - قال: كَانَ للنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْعَةٌ يُقَالُ لَهَا: الغَرَّاءُ يَحْمِلُهَا أرْبَعَةُ رجالٍ؛ فَلَمَّا أضْحَوْا وَسَجَدُوا الضُّحَى أُتِيَ بِتِلْكَ الْقَصْعَةِ؛ يعني وَقَدْ ثُردَ فِيهَا، فَالتَفُّوا عَلَيْهَا، فَلَمَّا كَثُرُوا جَثَا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ أعرابيٌّ: مَا هذِهِ الجِلْسَةُ؟ قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللهَ جَعَلَنِي عَبْداً كَريماً، وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً عَنِيداً» ، ثُمَّ قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُوا مِنْ حَوَالَيْهَا، وَدَعُوا ذِرْوَتَها يُبَارَكْ فِيه» . رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيد.
«ذِرْوَتها» : أعْلاَهَا بكسر الذال وضمها.
قوله: (الغراء) : قال المنذر: سميت غراء لبياضها بالألية والشحم، أو لبياض برها، أو لبياضها باللبن. وقال غيره: سميت بذلك لنفاسة ما فيها،
(1/473)
أو لكثرة ما تسعه. وروى أحمد من حديث ابن بسر قال: كان للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جفنة لها أربع حلق.
وقوله: (جثًا) أي: قعد على ركبتيه جالسًا على ظهور قدميه.
وفيه: استحباب هذه الجلسة عند ضيق المجلس وأن الأكل من الجوانب مع ذكر الله تعالى سبب لحصول البركة.
108- باب كراهية الأكل متكئاً
[746] عن أَبي جُحَيْفَةَ وَهْبِ بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا آكُلُ مُتَّكِئاً» رواه البخاري.
قَالَ الخَطَّابِيُّ: المُتَّكئُ هُنَا: هُوَ الجالِسُ مُعْتَمِداً عَلَى وِطَاءٍ تحته، قَالَ: وأرادَ أنَّهُ لا يَقْعُدُ عَلَى الوِطَاءِ وَالوَسَائِدِ كَفِعْل مَنْ يُريدُ الإكْثَارَ مِنَ الطَّعَام، بل يَقْعُدُ مُسْتَوفِزاً لا مُسْتَوطِئاً، وَيَأكُلُ بُلْغَةً. هَذَا كلامُ الخَطَّابيِّ، وأشارَ غَيْرُهُ إِلَى أنَّ الْمُتَّكِئَ هُوَ المائِلُ عَلَى جَنْبِه، والله أعلم.
كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يأكل متربعًا، ولا على جنب، فأما الأكل متكئًا على جنب فهو فعل أهل الكبر وهو مكروه، والأكل متربعًا جائز.
[747] وعن أنس - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِساً مُقْعِياً يَأكُلُ تَمْراً. رواه مسلم.
«المُقْعِي» : هُوَ الَّذِي يُلْصِقُ أَلْيَتَيْهِ بالأرض، وَيَنْصِبُ سَاقَيْهِ.
الإقعاء: هنا الاحتباء.
(1/474)
وفيه: تواضعه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غاية التواضع.
109- باب استحباب الأكل بثلاث أصابع
واستحباب لعق الأصابع، وكراهة مسحها قبل لعقها
واستحباب لعق القصعة وأخذ اللقمة الَّتي تسقط منه وأكلها
وجواز مسحها بعد اللعق بالكف والقدم وغيرهما
يستحب لعق الأصابع بعد فراغه من الأكل. وأما لعقها في أثناء الأكل فمكروه؛ لأنه يعيدها إلى الطعام وعليها أثر ريقه.
[748] عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ... «إِذَا أكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَاماً، فَلا يَمْسَحْ أَصَابِعَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَها» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
أي: يلعقها هو، أو يلعقها أهله، أو ولده، أو خادمه ومن لا يستقذر منه. قال الخطابي: عاب قوم أفسد عقلهم الطرفه، فزعموا أن لعق الأصابع مستقبح.
[749] وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأكُلُ بثَلاَثِ أصابعَ، فإذا فَرَغَ لَعِقَهَا. رواه مسلم.
يستحب الأكل بثلاث أصابع إذا كان الطعام غير مائع. وما ورد أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكل بخمس فمحمول على بيان الجواز.
[750] وعن جابر - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: «إنَّكُمْ لا تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ» . رواه مسلم
(1/475)
قيل: أن البركة هنا والله أعلم ما يحصل به التغذية، وتسلم عاقبته من أذى. ويقوي على الطاعة وغير ذلك. وقد تكون العلة هنا أن لا يتهاون بقليل الطعام أي الباقي في آخر القصعة، أو الساقط.
[751] وعنه: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ، فَلْيأخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذىً، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَان، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بالمِنْدِيل حَتَّى يَلْعَقَ أصَابِعَهُ، فَإنَّهُ لا يَدْري في أيِّ طَعَامِهِ البَرَكَةُ» . رواه مسلم.
في الحديث: استحباب إماطة التراب ونحوه عن اللقمة إذا سقطت، وأكلها تحرصًا على البركة، وحملاً للنفس على التواضع ومعاملة للشيطان بنقيض قصده.
[752] وعنه: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فإذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ فَلْيَأخُذْهَا فَليُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذىً، ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلا يَدَعْهَا للشَّيْطَانِ، فإذا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أصابِعَهُ، فإنَّهُ لا يَدْري في أيِّ طعامِهِ البَرَكَةُ» . رواه مسلم.
فيه: التحذير من الشيطان، والتنبيه على ملازمته الإنسان في سائر تصرفاته، فينبغي أن يتأهب ويحترز منه ولا يغتر بما يزينه له ليلهيه عن ذكر الله تعالى.
[753] وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أكَلَ طَعَاماً، لَعِقَ أصَابِعَهُ الثَّلاَثَ، وقال: «إِذَا سقَطَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ
(1/476)
فَلْيُمِطْ عنها الأذى، وَليَأكُلْهَا، وَلا يَدَعْها لِلْشَّيْطَان» وأمَرَنا أن نَسْلُتَ القَصْعَةَ، وقال: ... «إنَّكُمْ لا تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ» . رواه مسلم.
قوله: (لعق أصابعه الثلاث) ، أي: إذا اقتصر بالأكل عليها كما هو غالب أكله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما إذا أكل بالخمس فيلعق الجميع.
[754] وعن سعيد بنِ الحارث: أنّه سأل جابراً - رضي الله عنه - عنِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَقَالَ: لا، قَدْ كُنَّا زَمَنَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا نَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ من الطَّعامِ إِلا قليلاً، فإذا نَحْنُ وجَدْنَاهُ، لَمْ يَكُنْ لنا مَنَادِيلُ إِلا أكُفَّنا، وسَواعِدَنَا، وأقْدامَنَا، ثُمَّ نُصَلِّي وَلا نَتَوَضَّأُ. رواه البخاري.
في الحديث: دليل على عدم وجوب الوضوء من أكل ما مسته النار بطبخ ونحوه، وجواز مسح وَضَرِ الطعام بعد اللعق بأطراف البدن.
110- باب تكثير الأيدي عَلَى الطعام
[755] عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طَعَامُ الاثنينِ كافِي الثلاثةِ، وطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كافي الأربعة» . متفق عَلَيْهِ.
المراد بهذا الحديث: الحض على المكارمة، والتقنع بالكفاية.
وفيه: استحباب الاجتماع على الطعام وإن الجمع كلما كثر زادت البركة. وعند الطبراني: «كلوا جميعًا ولا تفرقوا، طعام الواحد يكفي الاثنين» .
[756] وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(1/477)
يقول: «طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ» . رواه مسلم.
يعني إذا اجتمعوا كفاهم. وعند الطبراني عن ابن عمر بلفظ «طعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية، فاجتمعوا عليه ولا تفرقوا» .
111- باب آداب الشرب واستحباب التنفس ثلاثاً
خارج الإناء وكراهة التَّنَفُّس في الإناء واستحباب إدارة
الإناء عَلَى الأيمن فالأيمن بعد المبتدئ
[757] عن أنس - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَنَفَّسُ في الشَّرابِ ثَلاثاً. متفق عَلَيْهِ.
يعني: يتنفس خارجَ الإناءِ.
فيه: استحباب التنفس في الشراب ثلاثًا، ويجوز بنفس واحد كما ورد في بعض الرويات.
[758] وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تَشْرَبُوا وَاحِداً كَشُرْبِ البَعِيرِ، وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاَثَ، وَسَمُّوا إِذَا أنْتُمْ شَرِبْتُمْ، وَاحْمَدُوا إِذَا أنْتُمْ رَفَعْتُمْ» . رواه الترمذي، وقال: ... (حَدِيثٌ حسن) .
النهي عن الشرب من نفس واحد للتنزيه. قال عمر بن عبد العزيز: إنما نهي عن التنفس داخل الإناء. أما من لم يتنفس فإن شاء فليشرب بنفسٍ واحد.
وفي الحديث: الأمر بالتسمية عند الشراب، والحمد عند الفراغ.
(1/478)
[759] وعن أَبي قَتَادَة - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أنْ يُتَنَفَّسَ في الإناءِ. متفق عَلَيْهِ.
يعني: يتنفس في نفس الإناءِ.
النهي عن التنفس في الشرب كالنهي عن النفخ في الطعام والشراب لئلا يتقذر به من البزاق أو أثر رائحة كريهة تعلق بالماء.
[760] وعن أنس - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بماءٍ، وَعَنْ يَمِينهِ أعْرَابيٌّ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْر - رضي الله عنه -، فَشَرِبَ، ثُمَّ أعْطَى الأعْرابيَّ، وقال: «الأيْمَنَ فالأيْمَنَ» متفق عَلَيْهِ.
قَوْله: «شِيب» أيْ: خُلِطَ.
كانت العادة جارية بتقديم الأيمن في الشرب وغيره، فبيَّن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بفعله وقوله أن تلك العادة لم يغيرها الشرع، وأن السنَّة تقديم الأيمن وإن كان الأيسر أفضل منه.
[761] وعن سهلِ بن سعدٍ - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِشرابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ أشْيَاخٌ، فَقَالَ للغُلامِ: «أتَأْذَنُ لِي أنْ أُعْطِيَ هؤُلاَءِ؟» فَقَالَ الغُلامُ: لا واللهِ، لا أُوثِرُ بنَصيبي مِنْكَ أَحَداً. فَتَلَّهُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يَدِهِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قَوْله: «تَلَّهُ» أيْ وَضَعَهُ. وهذا الغلامُ هُوَ ابْنُ عباس رضي الله عنهما.
قال ابن الجوزي: إنما استأذن الغلام دون الأعرابي، لأنه لم يكن له علم بالشريعة، فاستألفه بترك استئذانه بخلاف الغلام.
(1/479)
112- باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها
وبيان أنه كراهة تنزيه لا تحريم
[762] عن أَبي سعيدٍ الْخُدْريِّ - رضي الله عنه - قال: نَهَى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ. يعني: أن تُكْسَرَ أفْواهُها، وَيُشْرَبَ مِنْهَا. متفق عَلَيْهِ.
سبب النهي أن رجلاً شرب من سقاء فانساب في بطنه جيان، فنهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن اختناث الأسقية.
[763] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: نَهَى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يُشْرَبَ مِنْ فِيِّ السِّقَاءِ أَوْ القِرْبَةِ. متفق عَلَيْهِ.
[764] وعن أم ثابتٍ كَبْشَةَ بنتِ ثابتٍ أُختِ حَسَّانَ بن ثابتٍ رضي الله عنهما، قالت: دخل عَلَيَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَرِبَ مِنْ فيِّ قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ قَائِماً، فَقُمْتُ إِلَى فِيهَا فَقَطَعْتُهُ. رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
وإنّما قَطَعَتْهَا: لِتَحْفَظَ مَوْضِع فَمِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَتَبَرَّكَ بِهِ، وتَصُونَهُ عَن الابْتِذَال. وهذا الحديث محمولٌ عَلَى بيان الجواز، والحديثان السابقان لبيان الأفضل والأكمل، والله أعلم.
في الحديث: دليل على بيان أن النهي عن الشرب من فم القربة، وعن القيام حال الشرب ليس على سبيل التحريم بل على سبيل التنزيه. أو أنه فعل ذلك لعدم إمكان الشرب حينئذٍ إلا كذلك.
(1/480)
113- باب كراهة النفخ في الشراب
[765] عن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَن النَّفْخ في الشَّرَاب، فَقَالَ رَجُلٌ: القَذَاةُ أراها في الإناءِ؟ فَقَالَ: «أهرقها» . قَالَ: إنِّي لا أرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحدٍ؟ قَالَ: «فَأَبِنِ القَدَحَ إِذَاً عَنْ فِيكَ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
[766] وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يُتَنَفَّسَ في الإناءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ. رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
النهي عن النفخ في الإناء والتنفس فيه لئلا يقذر الشراب أو الطعام.
114- باب بيان جواز الشرب قائماً
وبيان أنَّ الأكمل والأفضل الشرب قاعداً
فِيهِ حديث كبشة السابق.
دخل عَلَيَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فشرب من فِيٍّ قربة معلقة.
[767] وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: سَقَيْتُ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ زَمْزَمَ، فَشَربَ وَهُوَ قَائِمٌ. متفق عَلَيْهِ.
فيه: جواز الشرب قائمًا لعذر. قيل: إنما شرب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائمًا لضيق المحل عن التمكن من الجلوس للشرب.
[768] وعن النَّزَّالِ بن سَبْرَةَ - رضي الله عنه - قال: أَتَى عَلِيٌّ - رضي الله عنه - بَابَ الرَّحْبَةِ بماءٍ، فَشَربَ قائِماً، وقال: إنِّي رَأَيْتُ رسولَ
(1/481)
الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كما رَأَيْتُمُوني فَعَلْتُ. رواه البخاري.
فيه: دليل على جواز الشرب قائمًا في بعض الأحيان.
[769] وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: كُنَّا نَأكُلُ عَلَى عهدِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نمشِي، وَنَشْرَبُ ونَحْنُ قِيامٌ. رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ صَحيحٌ) .
هذا محمول على أنه جائز، أي لا يحرم وإن كان منهيًا عنه، فالنهي فيه للتنزيه.
[770] وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جَدِّهِ - رضي الله عنه - قال: رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْرَبُ قَائِماً وقَاعِداً. رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
وهذا أيضًا محمول عند الجمهور على بيان الجواز أو أن ضرورة ضيق المحل حملته على ذلك. وأما شربه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاعدًا فهو الأكثر.
[771] وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه نَهى أن يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِماً. قَالَ قتادة: فَقُلْنَا لأَنَسٍ: فالأَكْلُ؟ قَالَ: ذَلِكَ أَشَرُّ - أَوْ أخْبَثُ - رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَجَرَ عَن الشُّرْب قائِماً.
قال الحافظ: وإنما جعل الأكل شرًا لطول زمانه بالنسبة لزمان الشرب.
[772] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «
(1/482)
لا يَشْرَبَنَّ أحَدٌ مِنْكُمْ قَائِماً، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئ» . رواه مسلم
النهي محمول على التنزيه، والتقيؤ محمول على الاستحباب إذا لم يكن الشرب قائمًا لعذر.
115- باب استحباب كون ساقي القوم آخرهم شرباً
[773] عن أَبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ساقي القوم آخِرُهُمْ شُرْباً» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
قال النووي: هذا أدب من آداب ساقي الماء واللبن ونحوهما وفي معناه من يفرق على الجماعة مأكولاً كلحم وفاكهة وغيرهما، فليكن المفرق آخرهم تناولاً منه لنفسه.
116- باب جواز الشرب
من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة
وجواز الكرع
- وَهُوَ الشرب بالفم من النهر وغيره بغير إناء ولا يد -
وتحريم استعمال إناء الذهب والفضة في الشرب والأكل
والطهارة وسائر وجوه الاستعمال
[774] عن أنس - رضي الله عنه - قال: حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فقامَ مَن كَانَ قَريبَ الدَّارِ إِلَى أهْلِهِ، وبَقِيَ قَوْمٌ، فأُتِيَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ، فَصَغُرَ المخْضَبُ أنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَتَوَضَّأَ القَوْمُ كُلُّهُمْ. قالوا: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَمَانِينَ وزيادة. متفق عَلَيْهِ، هذه رواية البخاري.
وفي رواية لَهُ ولمسلم: أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا بإناءٍ مِنْ ماءٍ، فَأُتِيَ بقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ماءٍ، فَوَضَعَ أصابعَهُ فِيهِ. قَالَ أنسٌ: فَجَعلْتُ أنْظُرُ
(1/483)
إِلَى الماءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْن أصَابِعِهِ، فَحَزَرْتُ مَنْ تَوضَّأ منه مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانينَ.
في الحديث: علم من أعلام النبوة. والرحراح: الواسع المنبسط قريب القعر.
وفيه: جواز الوضوء من إناء الخشب ونحوه.
[775] وعن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: أتَانَا النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً في تَوْرٍ مِنْ صُفْر فَتَوَضَّأَ. رواه البخاري.
«الصُّفْر» : بضم الصاد، ويجوز كسرها، وَهُوَ النُّحاس، و «التَّوْر» : كالقدح، وَهُوَ بالتاء المثناة من فوق.
فيه: جواز الوضوء في إناء الصفر ونحوه.
[776] وعن جابر - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِن الأَنْصَارِ، وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَقَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ باتَ هذِهِ اللَّيْلَةَ في شَنَّةٍ وَإلا كَرَعْنَا» . رواه البخاري.
«الشنّ» : القِربة.
في الحديث: جواز الكرع للحاجة إليه.
[777] وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: إنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا عَن الحَرِير، وَالدِّيباجِ، والشُّربِ في آنِيَة الذَّهَب والفِضَّةِ، وقال: «هي لَهُمْ في الدُّنْيَا، وهِيَ لَكُمْ في الآخِرَةِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
(1/484)
الديباج: نوع من الحرير، وعطفه عليه من عطف العام على الخاص.
وفيه: تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة، ولبس الحرير، وأن ذلك للكفار في الدنيا، وللمؤمن في الآخرة.
[778] وعن أُمِّ سلمة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الَّذِي يَشْرَبُ في آنِيَةِ الفِضَّةِ، إنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
وفي رواية لمسلم: «إنَّ الَّذِي يَأكُلُ أَوْ يَشْرَبُ في آنِيَةِ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ» .
وفي رواية لَهُ: «مَنْ شَرِبَ في إناءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَاً مِنْ جَهَنَّم» .
فيه: الوعيد الشديد في استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب ويقاس على ذلك سائر الاستعمالات.
(1/485)
========


( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

تطريز رياض الصالحين
كتَاب اللّبَاس
117- باب استحباب الثوب الأبيض، وجواز الأحمر والأخضر
والأصفر والأسود،
وجوازه من قطن وشعر وصوف وغيرها إِلا الحرير
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَاري سَوْآتِكُمْ} [الأعراف (26) ] .
قوله: {أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ} ، أي: خلقنا لكم، ولما كان بقضاء سماوي، وأسباب من السماء. قال: {وَأَنزَلْنَا} وسُمِّيت العورة سوأة؛ لأنه يسوء انكشافها. والريش: ما يتجمَّل به ظاهرًا. وعن عليَّ مرفوعًا أنه لبس ثوبًا، فقال حين لبسه: «الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمَّل به في الناس، وأُواري به عورتي» . رواه الإمام أحمد.
وقال تَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} [النحل (81) ] .
قوله: {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي: والبرد اكتفاء بدلالة قرينة عليه بالأولى. {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} ، أي: حربكم كالدروع ونحوها.
[779] وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ... «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ البَيَاضَ؛ فَإنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
(1/486)
في الحديث: استحباب لبس البياض، وأنه أطيب من غيره من سائر الألوان.
[780] وعن سَمُرَة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَسُوا البَيَاضَ؛ فَإنَّهَا أطْهَرُ وَأطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» . رواه النسائي والحاكم، وقال: «حديث صحيح» .
قوله: «فإنها أطهر» ، أي لأنها لنقائها يظهر ما يخالطاها من الدنس وإن قل.
وقوله: «أطيب» ، أي: لسلامتها غالبًا عن الخيلاء
[781] وعن البراءِ - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْبُوعاً، وَلَقَدْ رَأيْتُهُ في حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مَا رَأيْتُ شَيْئاً قَطُّ أحْسَنَ مِنْهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
الحلة: ثوبان من جنس واحد.
قوله: «حمراء» : قال الحافظ ابن حجر: هي ثياب ذات خطوط.
[782] وعن أَبي جُحَيفَةَ وَهْب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: رَأيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمكّةَ وَهُوَ بالأبْطَحِ في قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدمِ، فَخَرَجَ بِلاَلٌ بِوَضُوئِهِ، فَمِنْ نَاضِحٍ وَنَائِلٍ، فَخَرَجَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، كَأنِّي أنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، فَتَوَضّأ وَأذَّنَ بِلاَلٌ، فَجَعَلْتُ أتَتَبَّعُ فَاهُ ها هُنَا وَهَا هُنَا، يقولُ يَمِيناً وَشِمَالاً: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ، ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ لا يُمْنَعُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
(1/487)
«العنَزة» بفتح النون: نحو العُكازَة.
في الحديث: جواز لبس الأحمر.
وفيه: مشروعية السترة للمصلي، وأن المار من ورائها لا يضر المصلي.
وفيه: مشروعية الالتفات في الأذان يمينًا عند قوله: حي على الصلاة، وشمالاً عند قوله: حي على الفلاح.
[783] وعن أَبي رمْثَة رفَاعَةَ التَّيْمِيِّ - رضي الله عنه - قال: رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه ثوبانِ أخْضَرَان. رواه أَبُو داود والترمذي بإسناد صحيح.
في الحديث: جواز لبس الأخضر
قال ابن بطال: الثياب الخضر من لباس أهل الجنة، وكفى بذلك شرفًا.
[784] وعن جابر - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاء. رواه مسلم.
في الحديث: جواز لبس الأسود.
[785] وعن أَبي سعيد عمرو بن حُرَيْثٍ - رضي الله عنه - قال: كأنّي أنْظُرُ إِلَى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قَدْ أرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ النَّاسَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
(1/488)
فيه: استحباب إرخاء طرف العمامة بين الكتفين.
[786] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كُفِّنَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثةِ أثْوَاب بيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ. متفقٌ عَلَيْهِ.
«السَّحُولِيَّة» بفتح السين وضمها وضم الحاء المهملتين: ثيابٌ تُنْسَبُ إِلَى سَحُول: قَرْيَة باليَمنِ «وَالكُرْسُف» : القُطْنُ.
هذا أفضل الكفن من العدد للرجال، ومن الألوان للرجال والنساء.
[787] وعنها قالت: خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات غَدَاةٍ، وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مرَحَّلٌ مِنْ شَعرٍ أسْوَد. رواه مسلم.
«المِرْط» بكسر الميم: وَهُوَ كساءٌ وَ «المُرَحَّلُ» بالحاء المهملة: هُوَ الَّذِي فِيهِ صورةُ رحال الإبل، وهِيَ الأَكْوَارُ.
في الحديث: جواز تصوير ما لا روح فيه، وجواز لبسه ولبس الشعر.
[788] وعن المغيرة بن شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ مَعَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ لَيْلَةٍ في مسير، فَقَالَ لي: «أمَعَكَ مَاءٌ؟» قلتُ: نَعَمْ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى في سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ فَأفْرَغْتُ عَلَيْهِ مِنَ الإدَاوَةِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أخْرَجَهُمَا مِنْ أسْفَلِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأسِهِ، ثُمَّ أهْوَيْتُ لأَنْزَعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَإنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» وَمَسحَ عَلَيْهِمَا. متفقٌ عَلَيْهِ.
(1/489)
وفي رواية: وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الكُمَّيْنِ.
وفي رواية: أنَّ هذِهِ القَضِيَّةَ كَانَتْ في غَزْوَةِ تَبُوكَ.
في الحديث: استحباب الإبعاد لقضاء الحاجة، وجواز لبس الصوف.
وفيه: مشروعية مسح الخفين إذا لبسهما على طهارة.
118- باب استحباب القميص
[789] عن أُمِّ سَلَمَة رضي الله عنها قالت: كَانَ أحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَمِيص. رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
قيل: وجه أحبية القميص أنه أستر للأعضاء من الإزار، والرداء لأنه أقل مؤنة، وأخف على البدن، ولابسه أكثر تواضعًا. وروي أنه كان قميص رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطنًا قصير الطول والكمين.
119- باب صفة طول القميص والكُم والإزار
وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء من ذلك على سبيل الخيلاء
وكراهته من غير خيلاء
[790] عن أسماءَ بنتِ يزيد الأنصاريَّةِ رَضِيَ الله عنها، قالت: كَانَ كُمُّ قَمِيص رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الرُّسْغِ. رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: ... (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
الرسغ: مفصل الساعد والكف. قال ابن الجزري: فيه دليل أن لا يجاوز بكم القميص الرسغ. وأما غير القميص فالسنَّة أن لا بجاوز رؤوس الأصابع.
[791] وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ جَرَّ
(1/490)
ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَ أَبُو بكر: يَا رسول الله، إنَّ إزاري يَسْتَرْخِي إِلا أنْ أَتَعَاهَدَهُ، فَقَالَ لَهُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلاءَ» . رواه البخاري وروى مسلم بعضه.
فيه: وعيدٌ شديدٌ لمن سحب ثوبه تكبرً وإعجابًا بنفسه.
وفيه: أن من وقع له ذلك بغير قصد لا محظور فيه، وأن الأحكام تختلف بسحب النية.
[792] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لا يَنْظُرُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إزاره بَطَراً» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
إنما ذكر الإزار، لأنهم كانوا إذ ذاك يلبسون الإزار والأردية، والوعيد الشامل لجميع أنواع الثياب.
[793] وعنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أسْفَل مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإزْارِ فَفِي النار» رواه البخاري.
قال الخطابي: يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار، فكنى بالثوب عن لابسه. ومعناه: أن ما دون الكعب من القدم يعذب عقوبة. ومحل الكراهة إذا لم يكن عذر من جروح في قدمه ونحوها.
[794] وعن أَبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» قَالَ: فقَرأها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثَ مِرار، قَالَ أَبُو ذرٍّ: خَابُوا
(1/491)
وَخَسِرُوا! مَنْ هُمْ يَا رسول الله؟ قَالَ: «المُسْبِلُ، وَالمنَّانُ، وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكاذِبِ» . رواه مسلم
وفي رواية لَهُ: «المُسْبِلُ إزَارَهُ» .
فيه: الوعيد الشديد لهؤلاء الثلاثة.
[795] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الإسْبَالُ في الإزار، وَالقَمِيصِ، وَالعِمَامةِ، مَنْ جَرَّ شَيْئاً خُيَلاءَ لَمْ ينْظُرِ الله إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» . رواه أَبُو داود والنسائي بإسناد صحيح.
فيه: أن الوعيد شامل لجميع الملبوسات.
[796] وعن أَبي جُرَيٍّ جابر بن سُلَيْم - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ رَجُلاً يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيهِ، لا يَقُولُ شَيْئاً إِلا صَدَرُوا عَنْهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قالوا: رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلامُ يَا رسول الله – مرّتين – قَالَ: «لا تَقُلْ: عَلَيْكَ السَّلامُ، عَلَيْكَ السَّلامُ تَحِيَّةُ المَوْتَى، قُلْ: السَّلامُ عَلَيْكَ» قَالَ: قُلْتُ: أنْتَ رسول اللهِ؟ قَالَ: «أنَا رسول الله الَّذِي إِذَا أصَابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَه عَنْكَ، وَإِذَا أصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَهَا لَكَ، وَإِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ أَوْ فَلاَةٍ فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ، فَدَعَوْتَهُ رَدَّهَا عَلَيْكَ» قَالَ: قُلْتُ: اعْهَدْ إِلَيَّ. قَالَ: «لا تَسُبَّنَ أحَداً» قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرّاً، وَلا عَبْداً، وَلا بَعِيراً، وَلا شَاةً، «ولا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئاً، وأَنْ تُكَلِّمَ أخَاكَ وَأنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ، إنَّ ذَلِكَ مِنَ المَعْرُوفِ، وَارْفَعْ إزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، فَإنْ أبَيْتَ فَإلَى الكَعْبَينِ،
(1/492)
وَإيَّاكَ وَإسْبَالَ الإزَار فَإنَّهَا مِنَ المخِيلَةِ. وَإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المَخِيلَةَ؛ وَإن امْرُؤٌ شَتَمَكَ وعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ» . رواه أَبُو داود والترمذي بإسناد صحيح، وقال الترمذي: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
في هذا الحديث: أن الإزار يكون رفعه من نصف الساق إلى الكعبين. وأن الإسبال لا يجوز لأنه من الاختيال، والكبر، والإعجاب.
[797] وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما رَجُلٌ يُصَلَّي مسبلٌ إزَارَهُ، قَالَ لَهُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اذْهَبْ فَتَوَضَّأ» فَذَهَبَ فَتَوَضّأَ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: ... «اذْهَبْ فَتَوَضّأ» فَقَالَ لَهُ رجُلٌ: يَا رسولَ اللهِ، مَا لَكَ أمَرْتَهُ أنْ يَتَوَضّأَ ثُمَّ سَكَتَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «إنّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إزَارَهُ، وَإنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ صَلاَةَ رَجُلٍ مُسْبلٍ» . رواه أَبُو داود بإسناد صحيح عَلَى شرط مسلم.
يقال: إنما أمره بإعادة الوضوء ليكون مكفرًا لذنبه كما ورد أن الطهور مكفر للذنوب ولم يأمره بإعادة الصلاة لأنها صحيحة، وإن لم تقبل.
[798] وعن قيس بن بشر التَّغْلِبيِّ، قَالَ: أخْبَرَني أَبي - وكان جَلِيساً لأَبِي الدرداء - قَالَ: كَانَ بِدمَشْق رَجُلٌ مِنْ أصْحَابِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقال لَهُ سهل بن الْحَنْظَلِيَّةِ، وَكَانَ رَجُلاً مُتَوَحِّداً قَلَّمَا يُجَالِسُ النَّاسَ، إنَّمَا هُوَ صَلاَةٌ، فإذا فَرَغَ فَإنَّمَا هُوَ تَسْبِيحٌ وَتَكْبيرٌ حَتَّى يَأتي أهْلَهُ، فَمَرَّ بنا وَنَحْنُ عِنْدَ أَبي الدَّرداء، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدرداءِ: كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلا تَضُرُّكَ.
(1/493)
قَالَ: بَعَثَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً فَقَدِمَتْ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَلَسَ في المَجْلِسِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ: لَوْ رَأيْتَنَا حِيْنَ التَقَيْنَا نَحْنُ وَالعَدُوُّ، فَحَمَلَ فُلانٌ وَطَعَنَ، فَقَالَ: خُذْهَا مِنِّي، وَأنَا الغُلاَمُ الغِفَاريُّ، كَيْفَ تَرَى في قَوْلِهِ؟ قَالَ: مَا أرَاهُ إِلا قَدْ بَطَلَ أجْرُهُ.
فَسَمِعَ بِذلِكَ آخَرُ، فَقَالَ: مَا أرَى بِذلِكَ بَأساً، فَتَنَازَعَا حَتَّى سَمِعَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقال: «سُبْحَانَ الله؟ لا بَأسَ أنْ يُؤجَرَ وَيُحْمَدَ» فَرَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاء سُرَّ بِذلِكَ، وَجَعَلَ يَرْفَعُ رَأسَهُ إِلَيْهِ، وَيَقُولُ: أنْتَ سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فيقول: نَعَمْ، فما زال يُعِيدُ عَلَيْهِ حَتَّى إنّي لأَقُولُ لَيَبْرُكَنَّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، قَالَ: فَمَرَّ بِنَا يَوْماً آخَرَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداء: كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلا تَضُرُّكَ، قَالَ: قَالَ لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المُنْفِقُ عَلَى الخَيْلِ، كَالبَاسِطِ يَدَهُ بالصَّدَقَةِ لا يَقْبضُهَا» ، ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوماً آخَرَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداء: كَلِمَةً تَنْفَعنَا وَلا تَضُرُّكَ، قَالَ: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيمٌ الأسَديُّ! لولا طُولُ جُمَّتِهِ وَإسْبَالُ إزَارِهِ!» فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْماً فَعَجَّلَ، فَأَخَذَ شَفْرَةً فَقَطَعَ بِهَا جُمَّتَهُ إِلَى أُذُنَيْهِ، وَرَفَعَ إزارَهُ إِلَى أنْصَافِ سَاقَيْهِ. ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْماً آخَرَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداء: كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلا تَضُرُّكَ، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إخْوانِكُمْ، فَأصْلِحُوا رِحَالكُمْ، وَأصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأنَّكُمْ شَامَةٌ في النَّاسِ؛ فإِنَّ الله لا يُحِبُّ الفُحْشَ وَلا التَّفَحُّش» . رواه أَبُو داود بإسنادٍ حسنٍ، إِلا قيس بن بشر فاختلفوا في توثِيقِهِ وَتَضْعِيفِهِ، وَقَدْ روى لَهُ مسلم.
في هذا الحديث: أن إطالة الجمة والإسبال تدافع المدح وتمانع الرفعة
(1/494)
الدينية لأن ذلك منهيٍّ عنه على سبيل الحرمة تارةً، والكراهة أخرى.
وفيه: جواز قول الإنسان في الحرب: أنا ابن فلان إذا كان شجاعًا ليرهب عدوه، وأنه لا مانع من حصول الحمد والأجر.
وفيه: طلب العلم والاستزادة منه. وأن المرء في مقام التعلم إلى اللحد.
وفيه: طلب حسن الهيئة وجمال الزي والاحتراز من ألم المذمة، وطلب راحة الإخوان، واستجلاب قلوبهم ليأنس بهم فلا يستقذروه ولا يستثقلوه.
[799] وعن أَبي سعيد الخدريِّ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إزْرَةُ المُسْلِمِ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَلا حَرَجَ - أَوْ لا جُنَاحَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَيْنِ، فمَا كَانَ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ فَهُوَ في النَّارِ، وَمَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَراً لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ» . رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
قوله: «إزرة المسلم إلى نصف الساق» ، وعند ابن ماجة: «إزرة المؤمن» ، أي: الهيئة المستحبة في اتزار المؤمن إلى نصف الساق، لأن ذلك أطهر لبعده عن احتمال وصول النجس، وأطيب لبعده عن الكبر وقربه من التواضع، ولا كراهة في إرخائه إلى ما فوق الكعبين، ويحرم إرخاء الثياب تحت الكعبين.
[800] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: مررتُ عَلَى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي إزَارِي استرخاءٌ، فَقَالَ: «يَا عَبدَ اللهِ ارْفَعْ إزَارَكَ» فَرَفَعْتُهُ ثُمَّ قَالَ: «زِدْ» فَزِدْتُ، فَمَا زِلْتُ أتَحَرَّاهَا بَعْدُ. فَقَالَ بَعْضُ القَوْم: إِلَى أينَ؟ فَقَالَ: إِلَى أنْصَافِ السَّاقَيْنِ. رواه مسلم.
فيه مزيد اعتناء ابن عمر بالسنة، وملازمته للاتباع.
[801] وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ
(1/495)
اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْراً» قالت: إِذَاً تَنْكَشِفُ أقْدَامُهُنَّ. قَالَ: «فَيرخِينَهُ ذِرَاعاً لا يَزِدْنَ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
في هذا الحديث: الإذن للنساء في إطالة أذيالهن من القمص، والأزر والخمر وغيرها بحيث يسلبن قدر ذراع من أذيالهن إلى الأرض لتكون أقدامهن مستورة.
وفيه: النهي عن الزيادة على الذراع.
120- باب استحباب ترك الترفع في اللباس تواضعاً
قَدْ سَبَقَ في بَابِ فَضْل الجُوعِ وَخشُونَةِ العَيْشِ جُمَلٌ تَتَعَلَّقُ بهذا الباب.
منها حديث أبي هريرة: رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم من رجل عليه رداء، إِما إِزار، وإِما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، منها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين.
ومنها حديث عائشة: كان فراش رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أدم حشوه ليف.
وحديث أبي أمامة مرفوعًا: «البذاذة من الإيمان» ، وهي رثاثة الهيئة، وترك فاخر اللباس.
[802] وعن معاذ بن أنسٍ - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ اللِّبَاس تَوَاضُعاً للهِ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، دَعَاهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ
(1/496)
عَلَى رُؤوسِ الخَلائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أيِّ حُلَلِ الإيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
في هذا الحديث: فضيلة من ترك الفاخر من اللباس تواضعًا وثوابه؛ لأنَّ من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، ومن تواضع لله رفعه في الدنيا والآخرة.
121- باب استحباب التوسط في اللباس
وَلا يقتصر عَلَى مَا يزري بِهِ لغير حاجة وَلا مقصود شرعي
[803] عن عمرو بن شعيب عن أبيهِ عن جَدِّهِ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ يُرَى أثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
التوسط في اللباس ممدوح، لأن الرفيع شهرة، والداني دناءة، والأعمال بالمقاصد. فإن لبس النفيس تحدثًا بنعمة الله، والداني للتواضع، فهو مأجور، وإن لبس النفيس تكبرًا وفخرًا، والدنيء رياءً فهو مأزور، ويروى عن الشاذلي أنه قال لفقير - كان لابس ثوب مرقع أنكر عليه لبس نفيس ... الثياب –: يا هذا، ثيابي تقول للناس: الحمد لله، وثيابك تقول لهم: أعطوني من مالكم.
122- باب تحريم لباس الحرير عَلَى الرجال
وتحريم جلوسهم عَلَيْهِ واستنادهم إِلَيْهِ
وجواز لبسه للنساء
[804] عن عمر بن الخَطَّابِ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ؛ فَإنَّ مَنْ لَبِسَهُ في الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخِرَةِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
في هذا الحديث: تحريم لبس الحرير على الرجال، وفيه الوعيد الشديد على من لبسه.
(1/497)
[805] وعنه قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ مَنْ لا خَلاَقَ لَهُ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
وفي رواية للبخاري: «مَنْ لا خَلاَقَ لَهُ في الآخِرَةِ» .
قَوْله: «مَنْ لا خَلاقَ لَهُ» أيْ: لا نَصِيبَ لَهُ.
[806] وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ لَبِسَ الحَرِيرَ في الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخِرَةِ» . متفقٌ عَلَيْهِِ.
في هذا الحديث: الوعيد الشديد على من لبس الحرير.
[807] وعن علي - رضي الله عنه - قال: رأيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخَذَ حَريراً، فَجَعَلَهُ في يَمِينهِ، وَذَهَبَاً فَجَعَلَهُ في شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: «إنَّ هذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُور أُمّتي» . رواه أَبُو داود بإسنادٍ حسنٍ.
[808] وعن أَبي موسى الأشْعَري - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حُرِّمَ لِبَاسُ الحَرِير وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، وَأُحِلَّ لإنَاثِهِمْ» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
في هذين الحديثين: جواز لبس الحرير والذهب للنساء.
[809] وعن حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قال: نَهَانَا النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ نَشْرَبَ في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وأنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وعَنْ لُبْس الحَريرِ وَالدِّيبَاج، وأنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ. رواه البخاري.
(1/498)
خص الأكل والشرب بالذكر، لأنهما أغلب أنواع الاستعمال، وإلا فسائر استعمال الذهب والفضة حرام.
وفيه: تحريم الجلوس على الحرير، وهو قول الجمهور.
123- باب جواز لبس الحرير لمن بِهِ حكة
[810] عن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: رَخَّصَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ وعَبْدِ الرَّحْمن ابن عَوْفٍ رضي الله عنهما في لُبْس الحَريرِ لِحَكَّةٍ بِهِما. متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: جواز لبس الحرير للضرورة.
124- باب النهي عن افتراش جلود النمور والركوب عَلَيْهَا
[811] عن معاوية - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تَرْكَبُوا الخَزَّ وَلا النِّمَارَ» . حديث حسن، رواه أَبُو داود وغيره بإسناد حسن.
الخز نوعان: فنوع معمولٌ من الحرير، وهو حرام. وأما المعمول من الصوف فيحمل النهي فيه على التنزيه لأجل التشبه بالعجم.
[812] وعن أَبي المليح عن أبيه - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ. رواه أَبُو داود والترمذيُّ والنسائيُّ بأسانِيد صِحَاحٍ.
وفي رواية للترمذي: نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ أنْ تُفْتَرَشَ.
فيه: النهي عن استعمال جلود السباع لما فيها من الخيلاء.
(1/499)
125- باب مَا يقول إِذَا لبس ثوباً جديداً أَوْ نعلاً أَوْ نحوه
[813] عن أَبي سعيد الخدْريِّ - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوباً سَمَّاهُ باسْمِهِ - عِمَامَةً أَوْ قَميصاً أَوْ رِدَاءً - يقولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أسْأَلكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ» . رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
في هذا الحديث: استحباب الدعاء عند اللباس وحمد الله تعالى.
126- باب استحباب الابتداء باليمين في اللباس
هَذَا الباب قَدْ تقدم مقصوده وذكرنا الأحاديث الصحيحة فِيهِ.
تقدم ذلك في باب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم، ومن ذلك أن يدخل يده اليمنى في كمها قبل إدخال اليسرى، ويدخل رجله اليمنى في كل من الخف والنعل والسراويل قبل إدخال اليسرى.
(1/500)
=========================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق